تلاحقت اخيرا تكهنات شتى رجحت انتخابا قريبا لرئيس الجمهورية واطلاق حوار جديد بين حزب الله وتيار المستقبل، مع التلميح الى اشارات ايجابية في منطقة كانت فرص التفاؤل فيها، في الوقت نفسه، تعود طوات الى الوراء
بوابتان محتملتان لتخاطب وجها لوجه بين حزب الله وتيار المستقبل اوحيتا بمباشرته قبل ان تتبدد، في الظاهر على الاقل، الآمال فيه: اجتماع اللجنة النيابية المكلفة درس قانون الانتخاب، وحوار بينهما اقرب الى طاولة مصغرة ثنائية يعمل رئيس مجلس النواب نبيه بري على حصوله. لم تطل ردود الفعل على هاتين الفرصتين.
للفور بادر نواب من تيار المستقبل الى تأكيد تمسكهم باقتراح مشروع قانون مختلط للانتخاب توافق عليه مع الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية كأساس وحيد للمناقشة ما دام يحظى بتفاهمهم عليه، وايصاد الابواب سلفا امام اقتراح رئيس المجلس القائل بصيغة مماثلة للمشروع المختلط، لكن بتوزيع متساو بين التصويتين الاكثري والنسبي، بينما يغلب اقتراح الثلاثي التصويت الاكثري 68 مقعدا على التصويت النسبي 60 مقعدا. لم يقل هذا الفريق انه لن يذهب الى اجتماعات اللجنة النيابية، بيد انه وضع سقف مقاربة قانون الانتخاب. لم تنط باللجنة النيابية ملفات سياسية اخرى موازية، وليست هذه مهمتها. بيد ان الخلاف على الجزء جزم باستمرار الخلاف على الكل. منذ اجتماعات اللجنة للمرة الاولى قبل اقل من سنة حتى التمديد الاول للمجلس، ثم قبل التمديد الثاني وبعده، يمثل سبل الوصول الى الغالبية النيابية والسيطرة عليها هاجسا مبكرا، يسبق اي خوض في قانون الانتخاب لدى فريقي 8 و14 آذار.
بدورها مبادرة رئيس المجلس الى حوار ثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل جبَهَه الموقف السعودي في مجلس الامن من حزب الله عندما عدّه منظمة ارهابية. ما يفضي استطرادا الى تريث تيار المستقبل، تحت وطأة ما اعلنته الرياض، في دخول هذا الحوار حتى اشعار آخر. لم يكن رد فعل الحزب اقل اهتماما وانخراطا في الجدل نفسه بعدما اعتاد التزام الصمت والتجاهل. تحدثت السعودية عن الضالعين في الحرب السورية، فرد حزب الله بالصفة نفسها.
يخوض عون
آخر معاركه الرئاسية في الاستحقاق الحالي وجعجع اولاها
الواضح من الاشارات السلبية المتلاحقة ابقاء لبنان في حال مطابقة للحوار المتعذر بين الرياض وطهران، ومن ثمّ ابقاء الملفات العالقة بين ايديهما على صورة الحوار المستعصي.
وسواء عُدّت اجتماعات لجنة قانون الانتخاب جدية ام تتوخى ملء الخواء السياسي في مرحلة ما بعد تمديد ولاية مجلس النواب، يبدو ملفا الاستحقاق الرئاسي والحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل الاكثر تعبيرا عن استمرار الاشتباك غير المعلن بين الطرفين المحليين، كصورة مكمّلة للاشتباك الايراني ــ السعودي المعلن.
يُبرز هذا المنحى استمرار شغور رئاسة الجمهورية والطريقة التي يديره بها افرقاؤه الداخليون، فيما العاصمتان الاقليميتان الكبريان توحيان كأنهما غير معنيتين، سوى بضمان صمود حكومة الرئيس تمام سلام وتكافؤ موازين قواها على النحو الذي يمثله فائض القوة، المفرط، في استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية، لم تكن كذلك بين يدي صاحبها الاصلي.
على نحو مشابه للشغور الرئاسي، يُنظر الى الحوار المحتمل بين حزب الله وتيار المستقبل على ان اوانه لم يحن بعد.
بذلك يظل الاستحقاق وحده في الواجهة.
لا انتخاب وشيكا للرئيس ايا تتوالى مواعيد الجلسات، في ظل حصر الجدل المحوط بالاستحقاق بالمرشحين المعلنين، الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. يتبادلان مرة تلو اخرى اقتراحات مخارج لانتخابات الرئاسة، وهما يعرفان سلفا انها آيلة الى الرفض من كل منهما تباعا، من جراء عدم وجود موقف سنّي ـ شيعي مستعد للذهاب حقا الى انتخاب الرئيس. في الغالب يتبادل المرشحان مخارج لا تصلح لابصار النور: عندما يقترح جعجع منافسة متكافئة مع خصمه او انسحابا مشرّفا لهما معا لمصلحة مرشح ثالث، وعندما يقترح عون خوض الانتخابات بمرشحين اثنين فحسب لا ثالث لهما.
ومع ان كلا من هذين الاقتراحين ينطوي على استنتاج مغاير وقد يكون متناقضا للآخر، الا انهما يفضيان الى خاتمة مشتركة هي ان كلا من المرشحين لا ينتظر بدوره الخيار النهائي لحليفه فحسب، بل الطريقة التي ستُخرج بها التسوية الاقليمية ترشيحه. وهو مغزى ان دعم حزب الله ترشيح عون يوازيه دعم الرياض ترشيح جعجع، ما يجعل الرجلين في كفتين متوازيتين كأنهما يحملان العبء الاقليمي.
مع ذلك لكل منهما حسابات شخصية لم تختلف مرة، منذ عادا معا الى صدارة الحدث السياسي والموقع المسيحي عام 2005، عن الطريقة التي ادارا فيها خلافاتهما واقتتالهما منذ عام 1988، فإذا هي نفسها تقيم بكل ديناميتها وحيويتها فيهما على السواء، لم يسعهما معا التخلص منها: يسعى جعجع الى اخراج عدوه من آخر معركة رئاسية يخوضها، وهو دافع كاف كي يعدّ نفسه منتصرا كبيرا في الاستحقاق لهذا السبب فحسب واولا، بينما يريد عون الذهاب بالاستحقاق الاخير الذي يخوضه الى الانتصار والحلول الفعلي فيه بازاء منافس يخوض اول معركة رئاسية باحتراف يكرّس ترشيحه للمستقبل.
بالتأكيد لا يضير حزب الله وتيار المستقبل استمرار حليفين لا غنى لهما عنهما في جدل يجعلهما المرشحين الجديين الوحيدين في واجهة الاستحقاق، الى ان يحين الاوان انتخاب الرئيس الجديد. عندئذ فقط يمسي القرار سنيا ـ شيعيا ليس الا.