وسط الأجواء القاتمة التي تخيّم على الساحة الداخلية منذ فجر الإثنين الماضي جراء الهجمة الإرهابية التي تعرّضت لها بلدة القاع، وذهب ضحيتها خمسة من أهاليها، إضافة إلى عشرات المصابين، يستمر البحث في الكواليس السياسية في الآلية التي يجري الإعداد لها على طاولة الحوار الوطني، ولكن من دون أن يشهد سقف التوقّعات أي مؤشّرات على إمكان حصول توافق بين المتحاورين حول المخارج الدستورية المرتقبة للحدّ من التعطيل والشلل في المؤسّسات الدستورية.
وتعتبر أوساط نيابية في قوى 14 آذار، أن التطوّرات الأمنية والسياسية في الأيام القليلة الماضية قد فرضت تحوّلاً في مسار آليات الحل المطروحة، وذلك لجهة وجوب التركيز على حلّ أزمة الشغور الرئاسي قبل مقاربة أي عنوان آخر، سواء كان إقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية، أو إجراء الإنتخابات النيابية قبل الإنتخابات الرئاسية. وأكدت هذه الأوساط، أن تعاظم التحدي الإرهابي في الداخل بدءاً من بلدة القاع الحدودية، يدفع بقوة إلى الفصل بين تطوّرات الوضع السوري والواقع اللبناني. وأكدت أن استمرار الترابط لا ينبئ بالوصول إلى أي إمكانية لإيجاد الحلول المطلوبة، خاصة أن الإنقسام الكبير حول الوضع السوري، كما الوضع في المنطقة، يشكل العقبة الوحيدة أمام أي تسوية سياسية للأزمات الداخلية. ولاحظت أن التضامن الذي سُجّل بعد التفجيرات الإنتحارية الثمانية التي حصلت في بلدة القاع، وخلال ساعات معدودة، يشكّل رافعة للقوى كافة للتخلّي عن «الفيتو» المسبق الذي كانت ترفعه أثناء طرح أي حلول ناجعة للحدّ من الفراغ الرئاسي. كذلك اعتبرت أن الضغط المتنامي في الشارع نتيجة الهواجس الأمنية التي تزداد يوماً بعد يوم، سيؤدي إلى تفعيل العمل الجاري لإطلاق ورشة عامة لا تتوقف إلا بعد الوصول إلى اتفاق، وذلك بصرف النظر عن كل ما يُطرح حول السلّة المتكاملة.
وفي الإطار نفسه، وجدت الأوساط النيابية ذاتها، أن الظروف المحلية لم تعد تسمح باستمرار الرهانات على أي أدوار أو مبادرات خارجية مهما كان نوعها أو مصدرها، كما أنها تحتّم عدم حصول أي تأخير لإنتاج الحلول لتفعيل المؤسّسات الدستورية إنطلاقاً من معادلة تقديم حصول الإستحقاق الإنتخابي الرئاسي قبل أي استحقاقات دستورية أخرى. وكشفت أن استهداف لبنان بشكل مباشر من قبل تنظيم «داعش»، قد أثار قلق عواصم القرار الإقليمية والدولية من احتمال انفلات الوضع على تطوّرات أمنية خطرة قد تطيح الاستقرار الذي تمكّن من الصمود خلال السنوات الخمس الأخيرة بفعل «المظلّة» الدولية التي جرى الحديث عنها منذ اندلاع الحرب في سوريا.
وإذ اعتبرت الأوساط النيابية عينها، أن الإنزلاق إلى دوّامة اللاإستقرار الأمني، من شأنه أن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع من دون استثناء، أكدت أن ما حصل في بلدة القاع من تفجيرات إنتحارية إرهابية، وإن كانت متوَقّعة في ظل التقارير الأمنية الأخيرة، يشير بوضوح إلى خطورة المرحلة المقبلة، خاصة أن المنطقة بمجملها تقف على عتبة تحوّلات نوعية لجهة التسويات التي بدأت تتظهّر إلى العلن ما بين بعض الدول المؤثّرة في أزمات المنطقة، ما يحتّم على طاولة الحوار الأخذ في الإعتبار ما يجري في المحيط على صعيد هذه التسويات، والتقاط فرصة التوافق كي لا تأتي الحلول على حساب لبنان واللبنانين وحدهم.