رفْع سعره يُثقل كاهل المواطنين ولا يوقف خروجه غير الشرعي
لا يمكن وضع ملاحظة وزير الطاقة ريمون غجر عن “تبخّر المازوت” في إطار بريء. ليس لأن من واجب الوزير العمل لا الشكوى، بل لأن آلاف الصفحات أفردت لهذه القضية في وسائل الاعلام والدعاوى القضائية. ولو قدّر للحبر الذي كتب به عن الفساد في هذا الملف ان يسيل، لعبّأ خزاناً من خزانات منشآت النفط المهترئة.
اللعب أصبح على المكشوف. الباخرة التي أصبحت تأتي بعد جهد جهيد، تفرغ حمولتها من جهة والصهاريج الخاصة وتلك التابعة لشركات النفط تعبّئ من الجهة الاخرى. تملأ خزاناتها وتتوجه مباشرة إلى الحدود اللبنانية السورية من جهة البقاع أو الشمال. واللافت ان الشركات الخاصة، المستوردة بدورها للنفط، لا تخفي اسماءها عن الشاحنات. والمواطنون يلاحظون بوضوح توجه شاحنات لشركات مثل “كورال” و”ميدكو” و”ليكوي غاز” وغيرها بوتيرة يومية إلى الحدود اللبنانية السورية.
المازوت يُهرّب
هل القصة التي أصبحت معروفة اكثر من قصة “ابريق الزيت”، ما زالت بالنسبة إلى وزير الطاقة مجهولة؟ فهل حقاً لا يعرف أين يتبخر المازوت ولا إلى اين تذهب الكميات، ولا كيفية توزيعها بين التخزين والتهريب؟”.
لاءات وزير الطاقة الثلاث تقابلها نعم واحدة تفيد بأن المازوت يخزّن ويهرّب، ولو كانت حصة الاخيرة أكبر. والهدف ببساطة هو تحقيق الارباح على حساب المواطن والاحتياطي الالزامي الذي يشتري به المازوت على سعر 1500 ليرة.
المفارقة أن جميع الاحصاءات والتقارير تشير إلى ان لبنان استورد منذ بداية العام ضعف الكمية التي استوردها في الفترة نفسها من العام الماضي. فارتفعت الكمية المستهلكة يومياً من 3 ملايين ليتر إلى حدود 6 ملايين”، يقول المهندس محمد بصبوص. “ولا يوجد مازوت في الاسواق”.
قليلة هي المحطات التي تعبئ مادة المازوت. ومن يفعل فبكوتا محدودة. ويمكن تمييزها بوضوح من خلال طوابير الشاحنات والفانات الخاصة والعمومية التي تصطف امامها بأرتال طويلة. فمثلاً على الخط الساحلي من الدامور إلى خلدة لا توجد إلا محطة واحدة توفر المازوت التجاري. أما الطلب الشخصي لتأمين “مازوت الشتوية” فهو مرفوض بحسب أحد المواطنين. وإذا صودف وقبلت المحطة أو الموزع تعبئة برميلين أو ثلاثة فيتحدد السعر بحسب السوق السوداء، أي “بأغلى الغلا”.
الدعم أو التهريب
التضحية بما تبقى من احتياطي النقد الاجنبي في “المركزي” من أجل توفير مادة المازوت للمواطنين والمولدات والمعامل بسعر منخفض تذهب هباءً. فمن جهة تقدّر قيمة الكميات المهربة بـ 400 مليون دولار، ومن جهة أخرى تضاعفت فاتورة المولدات. وبالرغم من انخفاض واستقرار أسعار النفط عالمياً، يشير جدول تركيب الاسعار إلى زيادة سعر المازوت في لبنان بمقدار الضعف خلال شهرين. فارتفع سعر الصفيحة سعة 20 ليتراً، من 8700 ليرة في 20 أيار الفائت إلى حدود 17 ألف ليرة حالياً. وهذا ما يمثل، بحسب بصبوص، “قصاصاً للشعب اللبناني أجمع. فبدلاً من مكافحة التهريب واقفال المعابر ومحاسبة المهربين “تدوبل” الأسعار. فيخسر المواطن ولا يتوقف التهريب”.
الانعكاس الأول على رفع سعر المازوت هو زيادة فواتير مولدات الاشتراك بنسبة 100 في المئة. فتراجع التغذية من التيار الكهربائي في كافة المناطق إلى ساعتين خلال 24 ساعة، واضطرار اصحاب المولدات إلى تأمين المازوت على السعر المرتفع، ضاعف بدل الاشتراك. وأصبح يشكل في كثير من المناطق ثلث الحد الادنى للأجور.
“يكفي وزير الطاقة زيارة المصافي والاستفسار من اصحاب الصهاريج عن وجهتهم ليعرف أين يتبخر المازوت”، يقول بصبوص. “وبالتالي فان مكافحة التهريب تبدأ من هناك لتصل إلى الحدود. وليس عبر زيادة الاسعار المدعومة أساساً”.
ذريعة رفع السعر لمكافة التهريب تدفعنا إلى التساؤل عن السلع الغذائية الـ 300 المدعومة. فهل ستصمد بعد دخولها الاسواق؟ أم سيجري أيضاً تهريبها إلى سوريا؟ خصوصاً انها تشمل الحبوب والمعلبات والحليب والسكر وغيرها الكثير من المنتجات. فهل يلعب مصرف لبنان دور مصرف لبنان وسوريا المركزي؟ وإذا سلمنا جدلاً بان الاحتياطيات تكفي، فهل سينفد البلد بريشه من العقوبات الدولية؟
الجواب على سؤال وزير الطاقة “منّو وفي”. واستفساره يجب ان يتحول إلى إخبار أمام القضاء لملاحقة المهربين ومحاسبة المتورطين.