الهدف الاستراتيجي الأميركي ثابت على مرّ العهود والرؤساء، لا فارق في ذلك بين الجمهوريين والديموقراطيين. المتغيّر هو التكتيك، أو الأسلوب المتبع بأشكال مختلفة، لتحقيق الهدف نفسه.. وبين الهدف الثابت والأساليب المتعددة لتحقيقه، فسحة واسعة من المراوغات الأميركية لتشتيت انتباه الشعوب والأمم والدول في العالم، عبر اغراقها بالأزمات وتفجير تناقضاتها الداخلية، وزحلقتها الى حروب داخلية، أو حروب الجوار الجغرافي القريب، أو الخصم الايديولوجي البعيد، واغراقها جميعا بكم هائل من التفاصيل التي تهدد معيشتها اليومية، أو استقرارها وأمنها الداخلي، بما يصرف اهتمامها عن الانتباه عن المكائد التي تنجرها لها واشنطن!
هذا ما فعلته أميركا بالنسبة لدول عظمى مثل الاتحاد السوفياتي ولم تتركه الى حين انهياره. وهذا ما تفعله أميركا اليوم بتشجيع تفكيك الاتحاد الأوروبي لأنها لا تطيق رؤية اتحاد في العالم يمكن أن يكون منافسا لاتحاد ولاياتها الأميركية الخمسين! وكل قوة جديدة واعدة في العالم هي خصم طبيعي في نظر أميركا، بدليل انها بدأت توجه مطارقها الى روسيا التي بدأت تستعيد عافيتها بعد الانهيار السوفياتي، كما بدأت تستعد منذ أيام أوباما، لمحاصرة الصين وكتم أنفاسها، واعلانها الهدف المقبل لأية حرب مستقبلية ضدها، اذا وجدت الى ذلك سبيلا!
أما دول العالم الثالث – أو الأغيار بلغة الصهيونية – فان المهمة الأميركية أسهل بكثير، ويمكن تلخيصها بكلمات قليلة: الضعيف زيادته ضعفا، والفقير زيادته فقرا، وضرب كل مكونات وحدته الداخلية أو استقراره النسبي، وتقسيم الكيانات الاقليمية الكبرى، وتفتيت المجزأ منها! وبما يساعد الادارة الاميركية على تنفيذ مخططاتها، هو نجاحها باقناع العديد من دول هذا العالم الثالث الطائش والدائخ والمترنح، بأن خلاصها هو في يد أميركا! وكم من صديق كبير مشى عقودا في ركاب أميركا، وعندما اهتزّت ركبه وحاصره شعبه، كانت أميركا هي الأسرع في التخلّي عنه، لتنسج خيوط مصالحها مع العهد الجديد الآتي! وكان العالم العربي والاسلامي هو المثل والمثال للغدر الأميركي وخبثه وخيانته…
الفارق بين عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والرئيس الحالي دونالد ترامب، بالنسبة للعالم العربي والاسلامي، هو في الأسلوب فقط، للوصول الى تحقيق الهدف نفسه! كان توجه أوباما وخطته هما السيطرة على دنيا العرب والمسلمين بتوحيدهم في ظلّ النظام الاسلامي ل الإخوان المسلمين، بعد أن قدّمت القيادة العالمية ل الإخوان الولاء والطاعة لأميركا! وبعد سقوط حكم الإخوان في مصر وفشل هذا المخطط، قرر الرئيس الحالي ترامب، اتباع النهج الآخر، وهو استغلال حالة التلاشي والانهيار في المنطقة بأسرها، بالانتقال الى الخطوة التالية في التنفيذ لتقسيم الدول العربية والاسلامية وفقا لمشروع الشرق الأوسط الجديد! وأطلّت البداية اليوم مع مشروع ترامب الجديد، لتقسيم ليبيا الى ثلاث دويلات… والهدف التالي هو سوريا، كما يتضح من خلال الضربة الجوية الأميركية الى قاعدة مطار الشعيرات العسكري السوري!