Site icon IMLebanon

الفارق بين التكليف والتأليف مثل  الفارق بين إعداد الطبخة وأكلها!

المقدمات تدلّ على النتائج، وهذا صحيح في العلم والمنطق ولكنه ليس كذلك في السياسة، وبخاصة في لبنان. ومقدمات الانفراج بعد أزمة الشغور كانت مبهرة على صعيد رئاسة الجمهورية، وأكثر ابهارا على مستوى التكليف الحكومي. وهذه المقدمات توحي، بمقياس العلم والمنطق، بأن التشكيل وانجاز الحكومة الجديدة سيتم بسهولة ويسر مثل شربة ميّ. الواقع هو غير ذلك. والفارق بين التكليف والتأليف هو مثل الفارق بين إعداد الطبخة وأكلها، فكيف اذا كان المدعوون الى المائدة هم من المصابين بجوع عتيق، وشره تاريخي؟! وبخاصة اذا علمنا أن الصراع الأزلي والأبدي بين أهل السياسة لم يكن يوما في العمق، سياسيا أو طائفيا أو مذهبيا أو جهويا أو عقائديا، وانما هو في الأساس صراع على السلطة والنفوذ و… الأكل!

هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فالحالة أسخم! وليس من المريح ما نراه اليوم من سخاء الخارج – وبخاصة الأجنبي غير العربي – في نثر نصائحه بالجملة، ودعوته الى انجاز التشكيل بسرعة، والاستحقاقات في مواعيدها… ولكن أين كان هذا الخارج في مرحلة اشتعال الأزمات؟ ولماذا واجه ببرود واقع لبنان المزري والمتخبّط، وتصرّف بلامبالاة حياله وعلى الأرجح بتجاهل مقصود؟! هذا الخارج الأجنبي لم يتغيّر قط، وعلى رأسه أميركا. وهي صاحبة استراتيجية إضعاف الخصم والحليف معا في المنطقة العربية والشرق الأوسط، على اعتبار أن ذلك يخدم مصالحها، ويعزز موقع وقوة الحليف الاسرائيلي الأوحد! وهذه الاستراتيجية تقول ان الحرب الساخنة كفيلة باستنزاف الحليف والخصم في دنيا العرب، وان الحرب الباردة والأزمات الساخنة كفيلة باستنزاف لبنان بالسياسة!

التشكيل الحكومي يفتح الشهيّة على الاسترزاق والوجاهة، وعلى تصفية حسابات الماضي والأخذ بالثأر! واذا كان السياسيون يريدون أن تكتمل فرحة اللبنانيين بالعهد الجديد وحكومته الأولى، فالطريق الى ذلك معروف. الماضي يمكن نسيانه، بل من الواجب تناسيه عندما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن ومصيره… وإلاّ تحولت السياسة، حتى في العهد الجديد، الى نوع من ثرثرة النسوان العجائز حول التنّور!