اظهرت معركة استحقاق انتخاب رئيس للجهمورية التي استمرت سنتين وحوالى ستة اشهر، وجود تحالفات وتفاهمات وصداقات ملتبسة قائمة بين قيادات من 14 آذار وقيادات من 8 آذار، لا يمكن تفسيرها بسهولة، بل يكتنفها الكثير من الغموض والتساؤل، خصوصاً بوجود خلاف استراتيجي واساسي بين هذه القيادات، لا يمكن ان يسمح بحصول هذا النوع من «الود» عند اناس يسيرون على خطين متوازيين لا يمكن ان يلتقيا، ومع ذلك التقوا، واثبتوا عدم صحة هذه المعادلة.
عندما دقّ الرئيس سعد الحريري باب النائب سليمان فرنجية، للتفاهم معه على ترشيحه لرئاسة الجمهورية، كان كمن يدق على باب الرئيس السوري بشار الاسد، اخ النائب فرنجية، وحليفه ورفيق دربه في خط عمره عشرات الاعوام، هو خط «الصمود والممانعة» الذي لا يمكن ان يلتقي مع خط لبنان اولاً، و«المحكمة الدولية» و«العبور الى الدولة القوية» وانضم اليه في هذا الالتقاء كل من حزب البعث، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وحركة امل، وهي احزاب اساسية في خط «الصمود والتصدي والممانعة» الذي يتزعمه حزب الله، وتحول سليمان فرنجية من خصم عنيد لقوى 14 آذار بزعامة تيار المستقبل، الى اخ وصديق وحليف لسعد الحريري الذي اعلن وبعد انهائه التحالف مع فرنجيه، بأن «سليمان بك سيبقى اخاً وصديقاً والتحالف معه انتخابياً وارد في المستقبل».
من جهة ثانية، وعلى الرغم من تلاحم حركة «امل» مع جميع تحركات حزب الله الامنية والسياسية في الداخل اللبناني وفي الخارج واعلان الرئيس بري في اكثر من مناسبة، انه «فريق» وليس محايداً في ما خص «خط الصمود والتصدي والممانعة» لا يرى الرئيس الحريري ما يمنع صداقته وتعاونه مع الرئيس بري، الذي ردّ له التحية عندما صرّح انه مع سعد الحريري «طالما كان مظلوماً»، في جميع الاحوال، قبل ان ينتفض عليه مؤخراً بعد تفاهمه مع الرئيس العماد عون.
***
حزبا القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، دخلا في حوار مكثّف وعميق وصريح، استمر اشهراً طويلة، طلعا بعده بتفاهم مشترك. ان الماضي الاليم الموجع لكليهما اصبح محطة للذكرى حتى لا تنعاد. ووضعا «دستوراً» لتفاهمهما من عشر نقاط او اكثر تتمحور جميعها حول نظرتهما المشتركة الى مستقبل لبنان السيد الحر المستقل ودور الدولة والحكم، وامس بعد انتخاب العماد عون رئيساً، اثبتا على الارض تمسكهما بالتحالف القائم على مبادئ واضحة ومكتوبة، وعلى الرغم من تفاهم التيار الوطني الحرّ مع حزب الله، حول عدد من القضايا، وانفتاحه على سوريا وايران، ولو في حدود ضيّقة، الا ان العماد عون حارب الوصاية السورية على لبنان، ووقف في وجه النظام الامني اللبناني – السوري، وطالب بانسحاب سوريا من لبنان، وكان اساسياً في انتفاضة الاستقلال في 14 اذار، وبعد عودة عون من المنفى، وعندما وصفه الدكتور سمير جعجع بانه «تايواني» وليس اصلياً في 8 اذار كما هو النائب فرنجية، كان يشير الى هذه المراحل التي ساهم فيها التيار الوطني سيادياً ولبنانياً في انسحاب الجيش السوري من لبنان، ومن الثابت ان الحلف الرباعي الذي استبعد التيار الوطني الحرّ، كان وراء ارتمائه في احضان 8 آذار.
هذان المثلان على التفاهم بين فريق وآخر، يوضحان الفرق بين تفاهم وتفاهم، وايهما بني على قاعدة صلبة، وايهما بني على رمل، واتمنى ان يستوعب الاخوة في تيار المستقبل، ان الدفع باتجاه تحقيق التفاهم بين عون والحريري، كان الهدف منه بناء لبنان على صخر.