IMLebanon

ورطة ماي وبريطانيا: تحديات ومخارج صعبة

ليس من المألوف في بريطانيا أن يخسر زعيم رهانه الانتخابي ويبقى في موقعه. لكن تيريزا ماي فعلت ذلك بكثير من الاعتداد بالنفس الذي كان من العوامل التي ساهمت في خسارتها للأغلبية البرلمانية. فهي راهنت في توقيت ملائم لها، وسط ضعضعة في حزب العمال المعارض، على أغلبية كاسحة لحزب المحافظين في انتخابات مبكرة كان موعدها الرسمي عام ٢٠٢٠، بما يقوي ويكرّس زعامتها. وحين خسرت الأغلبية لم تستقل بل قررت استئذان الملكة اليزابيت الثانية لتأليف حكومة جديدة.

وهي كانت من موقعها كوزيرة للداخلية ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعندما حقق أنصار بريكست الأغلبية في الاستفتاء استقال زعيم الحزب ورئيس الحكومة ديفيد كاميرون، فاختار النواب المحافظون ماي خلفا له، بدل أن تستقيل. لا بل عيّنت قائد حملة بريكست بوريس جونسون وزيرا للخارجية، واعتبرت نفسها مؤهلة أكثر من أي شخص آخر للتفاوض على الخروج تحت شعار بريكست تعني بريكست.

لكن بريطانيا، لا ماي فقط، في ورطة عميقة: حكومة أقلية في برلمان معلق لمواجهة تحديات أساسية لا مهرب منها ولا مجال لتحمّل كلفة الفشل فيها. التحدي الأبرز والأعمق أثرا في حاضر بريطانيا ومستقبلها هو التفاوض الصعب مع الاتحاد الأوروبي على الخروج منه. ماي وعدت الناخبين بأن تجعل بريكست قصة نجاح. وقادة أوروبا يعطون الأولوية لكي يكون بريكست نموذجا غير جذّاب لأحد.

والتحدّي الملحّ والخطر والخطير هو مواجهة الارهاب الذي ضرب في مانشستر ولندن ويهدّد بالمزيد من العمليات الارهابية. ماي تركز على تقوية أجهزة الأمن والاستخبارات وزيادة التنسيق الأمني مع دول الشرق الأوسط وضمن شبكة العيون الخمس التي تضم أميركا وبريطانيا وأوستراليا وكندا ونيوزيلندة. والنقاش يدور في لندن وعواصم الغرب حول ما اختصره زعيم حزب العمال جيمس كوربن بالقول ان السياسة الخارجية لبريطانيا هي المسؤولة عن الارهاب في الداخل.

ومن الصعب على ماي أن تطبق برنامج التقشف الذي طرحته في الحملة الانتخابية وساهم في خسارتها للأغلبية وزيادة مقاعد حزب العمال. والأصعب هو ان تتفادى محاسبتها داخل حزب المحافظين، حيث يمارس الطامحون الى الزعامة من أركان الحزب الطعن بالسكاكين في الظهر وكل أنواع الألاعيب والمناورات والمؤامرات لدفع الزعيم الخاسر الى الخروج من المسرح. أليس هذا ما تعرّضت له رئيسة الوزراء السيدة الحديد مارغريت تاتشر في سنوات حكمها الأخيرة؟ وهل جاءت ماي الى رئاسة الحكومة إلاّ بصفقة داخلية؟

بريطانيا مرشحة، بطبائع الأمور، للذهاب مجددا الى انتخابات مبكرة. ولا مخرج من الورطة العميقة، كما يرى كثيرون، إلاّ بالتراجع عن بريكست في استفتاء آخر.