IMLebanon

الجمهورية اللبنانية ومعضلة النزوح السوري

 

 

باتت الجمهورية اللبنانية ساحة لتصفية الحسابات محليًا ـ إقليميًا ـ دوليًا، وما زاد الأمور تعقيدًا انّ ساسة لبنان الذين حكموا بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني باعوا الجمهورية بالمزاد، وبالتالي أضحت جمهورية ما بعد التسعينات عرضة لكثير من المخاطر وأضحت تهدِّد السيادة الوطنية وبقية مؤسسات هذه الجمهورية. هناك نظام قائم محكوم بالتسويات والإملاءات والخيانات السيادية، وهؤلاء القادة الحاليون يُكملون كل مساراتهم التدميرية غير مبالين بمصالح الجمهورية وشعبها، هذا مع عدم نسيان أمر جوهري ألا وهو أنّ هذه الطبقة السياسية تُكمِل المسار التدميري غير مبالية بنتائج أفعالها.

في الأسبوع المنصرم قرأنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي وبعض وسائل الإعلام عن رغبة بطريركية ممثّلة بـ»المركز الماروني للتوثيق والأبحاث» عن النيّة السليمة والموضوعية للبحث في موضوع جوهري يُقلق جميع اللبنانيين ألا وهو «موضوع النازحين السوريين». خيرًا فعلت البطريركية ممثلة بمركز الأبحاث، لذا يمكننا القول كباحثين وأعضاء في مركز PEAC الدولي للأبحاث انّ هذا الموضوع الشائك بات مدرجًا من حيث المبدأ على بساط البحث بعد تناميه العشوائي نظرًا للعشوائية التي شملت تدفّق النازحين السوريين نحو الأراضي اللبنانية مقابل تقصير فاضح للسلطة اللبنانية التي لم تتقيّد بأحكام الدستور لجهة المحافظة على السيادة الوطنية إستنادًا إلى المواثيق الدولية ومقدمة الدستور، وبما هو وارد أيضًا في الدستور بأحكامه لجهة السلطة التنفيذية المُناطة بمجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للبلاد ويسهر على تطبيقها وفقًا للقوانين.

 

في المحصّلة تشهد أزمة النازحين السوريين العشوائية في لبنان حراكًا على بعض المستويات، والجدير ذكره ما حصل في بكركي من عرضٍ لواقع النزوح، والملفت أنّ الإجتماع حضرته قيادات من الصف الأول على مستوى الوزارات المعنية بالأزمة كذلك حضره قائد الجيش وممثلون عن بقية الأجهزة الأمنية، إنها خطوة جريئة وعملانية وموضوعية لمقاربة موضوع يشغل بال اللبنانيين خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة على كل المستويات السياسية ـ الأمنية ـ الإجتماعية ـ المالية ـ الإقتصادية. ومن حيث المبدأ، وفقًا لمصادر متابعة لهذا اللقاء، هناك خطوات معينة ستُتخذ للحد من فوضى النزوح بعد هذا الكَمّ من العشوائية الإنتشارية. المرحلة الراهنة تتطلّب تكثيف الجهود والعمل وفقًا للإمكانات المتاحة عملانيًا على تنظيم النزوح السوري العشوائي كمرحلة أولى على ما أفدنا من بعض المتابعين (من الروحيين والسياسيين والعسكريين)، وذلك وفق خبرتنا السياسية والبحثية المتواضعة إجراء اتصالات مستمرة مع كل من النظام السوري ممثلاً بسفارته في لبنان ومع المجتمع الدولي ومع مفوضية حقوق الإنسان، لأنّ السيادة الوطنية هي الوحيدة المتضررة من أزمة النزوح السوري وما يحصل من هجرة غير شرعية تُرتكب على أيدي قراصنة وتجار من مختلف الجنسيات (سورية ـ لبنانية) لتسهيل عملية الدخول العشوائية إلى الأراضي اللبنانية ومن ثم ترحيلهم بطرق غير قانونية عبر مراكب إلى أوروبا.

المطلوب من لقاء بكركي الخاص بأزمة النازحين ومن السّادة الذين حضروا أيضًا نقاشًا في جلسات عمل مثمرة تُنتِج بعض اقتراحات الحلول العملية والفعلية والقانونية لهذه الأزمة المستفحلة لا أن تخرج بمقررات غير قابلة للتطبيق تحمل عوامل الإهمال وعدم المسؤولية كما تجري العادة، ولا داعي للتذكير في أنّ استفحال هذه الأزمة سببه عدم تطبيق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء والإنقسامات في الرأي وتَسييس سادة قوى الأمر الواقع لهذا الملف. وممّا لا شك فيه أنّ هناك دوراً رئيساً وجوهرياً للسلطات الرسمية تجاه أزمة النزوح العشوائية، والأزمة تتطلّب حلولاً لا اقتراحات تمتصّ سلبياتها وتتطلب أيضًا معايير قانونية ـ سيادية تُعتمد لحماية السيادة الوطنية، كذلك حماية المواطنين من أي سوء يحصل نتيجة بعض الحوادث التي بدأت تشهدها الساحة اللبنانية.

 

من الطبيعي ومع تفاقم النزوح العشوائي أصبح الوضع أمام مأساة إنسانية ـ سياسية ـ إجتماعية يتعرّض لها الشعبان اللبناني والسوري، وهو على ما يبدو أزمة مفتوحة على كل السلبيات طالما انه لم يتمّ التوصّل إلى حل سياسي أولاً، على مستوى الجمهورية العربية السورية التي تتعرض لتقاسم نفوذ إقليمي ـ دولي، كما تتعرّض لعقوبات المجتمع الدولي. وثانيًا، أزمة على مستوى الجمهورية اللبنانية لناحية العشوائية التي باتت عبئًا على لبنان ليس في استطاعته تحمُّل وزرها. ومن الطبيعي أن تكون هناك متلازمة ثلاثية الركائز تبدأ بالسلطة اللبنانية أولاً، والسلطة السورية ثانيًا، وثالثًا الأمم المتحدة وهيئاتها المختصة، أي القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة في مراكز القرار. إنّ هذه الأزمة، استنادًا الى دراسة موثقة أعدّتها لجنة الدراسات في مركز PEAC، تشمل أبعادًا سياسية ـ إقتصادية ـ إجتماعية ـ أمنية ـ ديموغرافية، وهي بالتالي مصدر قلق وتُلقي بثقلها على أمن جميع اللبنانيين. والخوف والقلق من أن تبقى هذه الأزمة المستفحلة سائرة على النحو الدراماتيكي، فيما المنطق العلمي والقانوني يقول: «لا تكفي تصريحات الطمأنة والمساعدات، إنها مهدّئات لا يمكن التعويل عليها، فالخطر مُحدق بالسيادة اللبنانية الوطنية وهناك خطر مفتوح على كل الإحتمالات».

الوضع العشوائي للنازحين السوريين لا يتطلب مجادلات وبروتوكولات وقفازات، هناك نيّات واضحة لدى الجميع للتفرّد في الرأي وعدم الصدقية في طرحه كما يلزم، والثابت أنّ الشعب اللبناني وحده يدفع الأكلاف على كل الصعد.

 

ولإنجاح الخطوات التالية في مقاربة هذا الملف موضوعيًا وقانونيًا وحتى علميًا، يجب إدراج البنود الآتية على جدول الأعمال والتي تتمحور حول:

 

أ‌ ـ وحدة الموقف من أزمة النزوح السوري.

ب‌ ـ التأكيد على السيادة الوطنية التامّة والناجزة وضبط الحدود ومنع أي خروقات، وإقفال المعابر غير الشرعية.

ت‌ ـ توعية وطنية شاملة وعدم تسييس الأزمة من قبل السياسيين.

ث‌ ـ توسيع مروحة المدعوّين لجهة الجسم الديبلوماسي وخصوصا الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

ج‌ ـ وجوب إعطاء الأوامر للقوى الشرعية المسلّحة لضبط الأوضاع، وحسنًا ما تَمّت مباشرته من تدابير عبر جهاز الأمن العام اللبناني.

ح‌ ـ رفض كل أشكال الخطط والمشاريع التمويلية الدولية التي تقوم بها منظمات دولية حكومية أو غير حكومية تحت عناوين مختلفة، كالإندماج مثلاً.

خ‌ ـ رفض عمليات تمويل بعض الجمعيات بحجة إقامة مشاريع أو بُنى تحتية.

 

د‌ ـ التنبّه ومواجهة كل الضغوط التي تُمارس على السلطة اللبنانية لجهة دعم إجراءات آيلة إلى تنظيم إقامة السوريين في لبنان.

ذ‌ ـ إشراك النظام السوري عبر سفارته في المشاورات الآيلة لتطبيق ما ورد في البنود لناحية التنسيق والتنفيذ.

 

أخيرًاً، لحل معضلة النزوح السوري العشوائية في جمهوريتنا اللبنانية يجب تكثيف جهود الرسميين والعسكريين والروحيين لمعالجة هذا الملف الشائك بمختلف مندرجاته… وللبحث صلة.