السؤال الذي انتشر مثل الريح في الساعات الماضية عما إذا كان «حزب الله» سيردّ بسرعة على ما حصل في القنيطرة وعن طبيعة هذا الرد ومداه، سرعان ما خبا تحت وطأة إجابات افتراضية وتحليلية، قريبة وبعيدة، منطقية وعشوائية، عاقلة ومتمنية، لكن الرابط الوحيد بينها هو استبعاد تدهور أمور الميدان وصولاً الى الحرب.. أي حرب أيّاً كان وزنها!
لواجم التصعيد أكثر من مبرراته وشرارات انطلاقه وفرصه. والأمر المعلوك، من شدّة التكرار والمضغ (الفكري!) هو أن الطرفين المعنيين مأسوران بما هو أكبر وأشمل منهما: لا إسرائيل قادرة على تخريب مسيرة التفاوض الأميركية الإيرانية ولا «حزب الله» قادر على فتح جبهة لا تريدها طهران للاعتبار السابق إيّاه، مثلما لا يريدها بشّار الأسد برغم تراجع تأثيره في هذا الشأن وفي غيره الى حدود الاضمحلال.. عدا عن أن موسكو، الحليف الموضوعي للفريق الممانع، ستجد نفسها محرجة إزاء أي حرب مع إسرائيل، وتفضّل في أسوأ الحالات وأحسنها، أن تُعفى من هذه التجربة!
ومعلوم ومعلوك (أيضاً) أن الشؤون الاستراتيجية الكبرى، لا تتوقف أو تتغيّر تبعاً لحوادث متفرقة.. مثل الذي حصل في القنيطرة! أي أن المنطقة والعالم على أبواب نبأ كبير يتصل بالمشروع النووي الإيراني وهذا لبّ الولاية الثانية والأخيرة لمستر أوباما ومن خلفه لكل المنظومة الدولية المعنية بتشليح نظام خارج عن سياقها، وغير مأمون أو موثوق، وارتباطاته السماوية ولاّدة توجّسات سيئة، القدرة على انتاج أسلحة دمار شامل.. مع ما يستتبعه ذلك من «تفاصيل» تتعلق بطبيعة «النفوذ» الذي تطلبه إيران في المحيط المجاور! باعتبارها دولة طامحة لأن تكون «عُظمى»!
وإعانة هذه القراءة بالمنطق، سهلة، وتحديداً في مثالَين كبيرَين: الأول هو أن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل لم تستطع على مدى السنوات الثلاث الماضية، الدخول على الخط الغربي (الأميركي) الإيراني من أي باب. وخصوصاً من باب محاولة ضرب المنشآت الإيرانية مباشرة مثلما فعلت حكومة مناحيم بيغن في مطلع الثمانينات مع مفاعل «تموز» العراقي.. بل لم يستطع الكونغرس الأميركي نفسه حتى الآن، تخريب سياق تلك المفاوضات التاريخية.. الاستراتيجية.
الثاني هو أن بشار الأسد لا يزال في مكانه، فقط، لأن مستر أوباما لا يريد التشويش على مفاوضه الإيراني.. في هذه المرحلة!
والمعنى، أن إسرائيل تصمت عندما تبدأ واشنطن بالكلام! واستراتيجيتها وتكتيكاتها تتضاءل، وتضمر عندما تصطدم عرضاً أو جديّاً، مع الاستراتيجية الأميركية. وهذا ما هو حاصل راهناً في الشأن النووي الإيراني!
وعلى الجانب الآخر، تكفي «الفتوى» الدينية عدا عن غيرها من ارتباطات والتزامات وشعارات ورايات، كي تجعل «حزب الله» منضبطاً تحت سقف المصالح الاستراتيجية الإيرانية!
.. ربما لو حصلت حادثة القنيطرة بعد حزيران المقبل، أي بعد التاريخ المبدئي المعطى كحد نهائي للمفاوضات النووية، لوضُعت فوراً في سياق تداعيات المفاوضات، وكانت المؤشر الميداني المباشر على فشلها! ولدخلت المنطقة برمتها في مرحلة التهابية أكثر مما هي عليه اليوم!
بهذا المعنى، ضربت إسرائيل في توقيت تفترضه «آمناً! وضربتها كانت كبيرة ومؤلمة، لكنها مع ذلك لن تكون سبباً لانغلاق واسع النطاق والمدى! مع أن اليقين الموازي يقول إن «حزب الله» سيرد لكن ليس بالحرب!