جمانة حداد شاعرة وكاتبة لبنانية حازت جوائز عربية وعالمية عدّة، فضلاً عن كونها صحافية ومترجمة وأستاذة جامعية. تشغل منصب المسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة “النهار”، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة. اختارتها مجلة “آرابيان بيزنيس” للسنتين الأخيرتين على التوالي واحدةً من المئة امرأة عربية الأكثر نفوذا في العالم، بسبب نشاطها الثقافي والاجتماعي.
أما وقد بدأت أزمة النفايات في التحلحل، أو أقله بدأت في الإيحاء بأنها ستتحلحل، وبما أننا في مزاج محتمل من التنظيف و”التعزيل”، فاسمحوا لي بأن أطرح عليكم السؤال الآتي، يا شريكاتي وشركائي في هذا الوطن (علماً أن كلمة “شراكة” كبيرة على رأسي بما أنني لستُ من الجنس المصطفى ولا من الطائفة المناسبة): طيّب، والوسخ اللي جوّا، شو بدنا نعمل فيه؟ كيف نتخلص منه؟ أين نطمره؟
تعرفون تماماً عن أيّ وسخ أتحدث: عن الوسخ الذي يتلطى وراء الوجوه اللئيمة، المعفّرة بالرخص والمهانة والحقارة، المرتدية الأقنعة الطاهرة النظيفة؛ عن الوسخ الذي لا يُرى في الأيدي القذرة الملوّثة بالدم والصفقات، المرتدية القفّازات البيضاء النقية، أو الملوّنة البريئة من كل دنس وعيب؛ عن الوسخ الذي يعشش في المجالس والصالونات والشرفات والأوكار والأقبية والدهاليز وبيوت الفجور والدعارة السياسية والاقتصادية والمجتمعية والدينية، حيث يتلاقى الانتهازيون والقوّادون وأهل المصالح والمافيات والعصابات، ويتبادلون الود والتفاهم سرّاً، ويتراشقون بالتهم والإهانات علناً؛ عن الوسخ الذي راح يتغلغل منذ سنوات وسنوات، رويداً رويداً، وبدأب، إلى القلوب والنفوس والعقول، ولم يعد وقفاً على الوجوه والأيدي، إلى أن صار في صلب الوجدان الجماعي العام، والأخلاقيات العامة، وفي صميم القيم الانحطاطية السائدة.
أما وقد صرتم تعرفون أنواع الوسخ الذي أتحدث عنه، فسؤالي هو الآتي: هل ثمة أمل حقيقي، بعد كل الذي جرى واستفحل، في التخلص من هذا الوسخ؟
بودّي أن أصرخ في وجوه المعنيين وفي وجوه الناس على السواء: ما أسهل التخلص من النفايات المرمية في الشوارع، لكن ما أصعب مباشرة عملية التخلص من الوسخ الذي يغشى العقول والنفوس من أعلى الهرم إلى أسفله. بل من أسفل الهرم إلى أعلاه.
قد يكون مرض السرطان المستعصي أهون من أمراضنا هذه. فأمام هذا الهول المَرَضي، ماذا نقول لأولادنا الذين ينظرون إلينا باعتبارنا “ملائكة”، وكيف نقنع أنفسنا بالمحاولة؟
شخصياً، أجيب: لستُ أدري. لا أعرف ماذا أقول لأولادي وللأجيال الصاعدة، عن هذه البلاد التي لم تعرف مكوّناتها المجتمعية ولا جماعاتها السياسية أن تلتقي على قيم مشتركة، تمثل طريقاً للخلاص الوطني.
من المفجع حقاً أن يكون الوسخ اللبناني قد استعصى على الحل، على رغم كل المحاولات الجبارة والمتواصلة التي بذلها ولا يزال يبذلها جيش المخلصات والمخلصين الأحرار وأهل النزاهة من أبناء الديموقراطية والمجتمع المدني في هذه البلاد التي تستحق كل التضحيات الممكنة.
بدها “سوكلين” وطنية في النخاع!