ختامها مسك… المرحلة الأخيرة من شهر الانتخابات البلدية في الشمال، أظهر مسك الحقيقة المجردة بكل تجلياتها. وما كان منها يظهر بالتلميح والاشارة في المناطق الأخرى، أحدث في طرابلس انفجاراً مدوياً وصادماً، وكاشفاً حقيقة الواقع اللبناني كما هو، دون تجميل ولا تزويق ولا رتوش. القراءة العميقة والموضوعية في نتائج الشهر البلدي تدعو الى تفكيك الرسائل – على حد تعبير وزير الداخلية نهاد المشنوق – ولكن ليس على سطح الحدث، وانما في العمق. وما حدث في كل لبنان، وليس في طرابلس فقط، هو صرخة صاروخية منطلقة من وجدان لبنان العميق، شقّت طبقات المرارة والحرمان والغضب من تحت، صعوداً الى فوق، الى طبقة متوارثي الحكم على مدى عقود وأجيال. وظهرت ساطعة في طرابلس لأنها وجدت مَن يقودها، وظهرت تلميحاً في سائر المناطق لأنها بقيت يتيمة، دون أب ولا أم!
من الحقائق التي أظهرتها نتائج الشهر البلدي:
أظهر المواطن اللبناني ايماناً حقيقياً بالديمقراطية وخاض منافسات حادة بأداء سلمي وحضاري وبنسبة جيدة من الاقبال على صناديق الاقتراع.
انكشفت حقيقة زعامات كانت كبيرة في الماضي وظنّت أنها لا تزال كذلك اليوم، واتضح أنها منتفخة ظاهراً، وأنه يكفي لدبوس بلدي لتنفيسها.
ظهر بوضوح وجود لبنانين: لبنان خاص تحتكره الفئة الحاكمة، ولبنان عام الذي يضم سائر الناس الذين انتخبوا وأطلقوا صرخة الغضب والاحتجاج عبر صناديق الاقتراع.
ثبت أن المال السياسي سلاح ذو حدين… وعندما تجف ينابيع المال يتبخر الولاء!
صرخة الاحتجاج والغضب الشعبية صادقة وأطلقت موجة عالية، ولكن الخطر يأتي ممن يركب تلك الموجة ويعتليها، بين أن يتجه الى المزايدة والتطرف والغاء الآخر، أو أن يتوجه الى المصالحة الوطنية على أساس أن يغير الجميع ما بأنفسهم، نحو الاصلاح واعادة البناء الوطني والمادي، في القيم والسياسة على حد سواء.
من فهم المصالحة المسيحية على أنها نهج لاستعادة الحقوق والمشاركة على المستوى الوطني، اقترع لها ودعمها… ولكن من ظن أنها تنطوي على شبهة مصادرة الرأي الآخر واحتكار القرار المسيحي والوطني، اقترع ضدها… وهي حقيقة تؤكد أن اللبناني عاشق للسياسة والحزبية، ولكن عشقه للحرية لا يعلو عليه شيء على الاطلاق!
أخيراً، اثبت وزير الداخلية نهاد المشنوق أنه قامة شامخة في الأمن تستحق الشكر.