مناطق خفض التصعيد في حرب سوريا تتكاثر بمقدار ما تضيق مناطق التصعيد. وهذا سيناريو مركّب في صراع جيوسياسي أشدّ تعقيباً من لعبة على رقع شطرنج، حيث الروسي البارع في اللعبة والايراني مخترع الشطرنج والأميركي لاعب البايسبول والتركي لاعب الورق. شيء مما يمكن أن يسمى تفكيك الحرب بدل إنهائها. وشيء مما يبدو كأنه تقاسم الأرض ضمن الستاتيكو الحالي، وتقاسم الأدوار في السباق على إخراج دولة الخلافة الداعشية من معاقلها الأخيرة. وشيء من تجميع الإرهابيين في إدلب مع تأجيل التحرّك ضد إمارة جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي أرسلنا إليها من جرود عرسال المسلحين الإرهابيين المنضمين إليها ضمن تسوية لها وجه لبناني وآخر إقليمي.
وزارة الدفاع الروسية، لا أي جهة أخرى، أعلنت إقامة منطقة جديدة في سلسلة خفض التصعيد ابتداء من اليوم الجمعة في ريف حمص الشمالي. وهي الثالثة بعد الغوطة الشرقية والجنوب السوري حيث محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة. والبقية على الطريق. أما الحرب بالمعنى الاستراتيجي، خارج الخروقات والعمليات التكتيكية، فإنها باتت تقتصر على المعارك مع داعش في الرقة ودير الزور والسخنة والبوكمال وبادية الشام. فضلاً عن المعارك بين من يقاتلون داعش.
وليس ذلك البديل من التسوية السياسية، وإن بدا كذلك لكثيرين. ولا هو بالمقابل مرحلة تمهّد بشكل مؤكد للتسوية، وإن أصرّت موسكو على القول انه الطريق الى التسوية. فلا تسوية من دون القضاء على داعش والنصرة وبقية التنظيمات الإرهابية، كما تقول دمشق وطهران وموسكو. ولا تسوية ان لم تضمن التغيير الديمغرافي للسلطة وتعطيل دور ايران في المنطقة، كا يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب. والتجربة أكدت خلال سنوات، منذ بيان جنيف حتى اليوم، ان اجتماعات جنيف وسواها هي مجرّد طاحونة كلام، لأن التسوية الفعلية ليست على جدول الأعمال، والخيار العسكري لم يسقط من الحسابات.
والظاهر حالياً، وسط إعطاء الأولوية القصوى للحرب على الإرهاب، هو الوضوح في مواقف الكبار. أميركا التي تدعم الكرد في محاربة داعش تطلب من المعارضين الذين تدعمهم التوقف عن قتال النظام. وروسيا التي خاضت حرب سوريا المفيدة وضمنت بقاء النظام وتساعده في استعادة الأرض من داعش، أوقفت عملياً القتال الى جانب النظام ضد المعارضين.
وما بدأ صراعاً على السلطة بين نظام ومعارضة صار صراعاً إقليمياً ودولياً على سوريا ضمن الصراع على المنطقة. وليس في مثل هذا الصراع المعقّد نهايات بسيطة أو سريعة أو واضحة.