“يداوي” معاناة مليون ونصف المليون سوري وهو “عليلُ” بالفقر والإفلاس
عندما فتح لبنان حدوده أمام الهاربين من الحرب في سوريا، أوائل العام 2011، كان «ينام على حرير» نمو قارب 7 في المئة، ووعود بمساعدات ومنح. ومع اندلاع الازمة استفاق على انكماش تخطى (-) 26 في المئة في العام 2020، و(-) 12 في المئة في العام 2021، وانهيار لم يشهد له العالم مثيل منذ أواسط القرن التاسع عشر. ومع هذا، بقي يستضيف 1.5 مليون نازح، فيما أهل البيت «يهجّون» من باب البحار.
في الوقت الذي يؤجل فيه ملف إعادة النازحين في لبنان، بدأت تركيا التحضير لاعادة مليون لاجئ طوعاً. مع العلم أن نسبة السوريين في تركيا مقارنة مع عدد سكانها البالغ 85 مليون نسمة تشكل 4 في المئة فقط، فيما ترتفع هذه النسبة في لبنان إلى 23 في المئة. وذلك بغض النظر عن بقية الفروقات الاقتصادية الهائلة بين البلدين، حيث يتجاوز الناتج المحلي التركي 700 مليار دولار، ولا يتخطى في لبنان 20 ملياراً.
الكلفة الهائلة للنزوح
في مؤتمر بروكسل الافتراضي الخامس حول «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، قال رئيس الحكومة اللبنانية السابق حسان دياب إن «كلفة النزوح السوري على الاقتصاد منذ العام 2011 ولغاية العام 2018، بلغت 46.5 مليار دولار». وإذا افترضنا أن متوسط الكلفة السنوية يقدر بـ 6.6 مليارات دولار، فان الكلفة الاجمالية تكون وصلت لغاية اليوم إلى حوالى 73 مليار دولار. في المقابل تفيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR في بيان صادر في 30 نيسان 2022 إلى أن «لبنان تلقى منذ العام 2015، ما يقارب 9 مليارات دولار أميركي لدعم اللاجئين السوريين، الفلسطينيّين والأكثر ضعفاً من اللبنانيين والمؤسسات العامة. وذلك ضمن إطار خطة لبنان للاستجابة للأزمة».
التعويضات لا تكفي
على الرغم من أن هذه المساعدة التي أتاحتها مساهمات المانحين، والتي نفّذها الشركاء في المجال الإنساني والإنمائي والحكومي، تعتبر حيوية في معالجة تداعيات الأزمات المتعاقبة التي يعاني منها لبنان، إلا أنها تبقى قاصرة أمام العبء الكبير الذي يتحمله لبنان. وبحسب الناطقة الرسمية بإسم «المفوضية» في لبنان دلال حرب فان «الأزمة الاقتصادية الحالية والمتفاقمة التي يواجهها لبنان أثّرت على المجتمع بأسره، ودفعت بالأكثر ضعفاً إلى حافة اليأس. حيث أن هناك تسعة من كل عشرة لاجئين سوريين في البلاد يعيشون في فقر مدقع، ونصف اللبنانييّن تقريباً يقبعون تحت خط الفقر». وإذ شددت حرب على وعي «المفوضية» للتحديات الهائلة التي يواجهها لبنان حالياً، فهي تؤكد على «الأهمّية القصوى في مواصلة التمّسك بمبادئ القانون الدولي المتعلّقة باللاجئين، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية والحق في العودة الطوعية بأمان وكرامة».
العودة ضرورة
أمام هذا الواقع المتفاقم الذي ينذر بعواقب خطيرة على الامنين الاقتصادي والاجتماعي، أفصح وزير المهجرين عصام شرف الدين عن مجموعة من الخطوات التي اتخذتها «لجنة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم» منذ يومين، واهمها:
– تكليف وزير الداخلية إصدار قرارات تلزم السوري بتطبيق قانون الإقامة.
– ضرورة الاستحصال على إجازة عمل للمهن الحرة.
– إلزامية الحصول على ترخيص لفتح محلات تجارية أو مؤسسات.
– تكليف وزير الشؤون الاجتماعية الاتصال بمندوب مفوضية شؤون اللاجئين، وإبلاغه عن عجز لبنان عن تحمل وزر مليون ونصف المليون نازح، لان الأمور قد فاقت قدرة الدولة على تحملها. والطلب منهم تسديد أعباء وجود النازحين أسوة بتركيا والأردن.
– أخذ قرار بمطالبة المفوضية بتقديم المساعدات المادية والعينية للنازحين داخل الأراضي السورية.
خطة “المهجرين”
شرف الدين كان قد أطلع بتاريخ 28 نيسان الفائت مجلس الوزرا ء على نتائج زيارته إلى سوريا والتي تضمنت مناقشة الاجراءات المتخذة من الجانب السوري لتسهيل عودة اللاجئين ومنها: مراسيم العفو الرئاسي. تأجيل خدمة العلم لمدة 6 أشهر. إستخراج الوثائق المفقودة لمن فقدها في دول اللجوء وتسجيل الولادات الجديدة في سوريا. توفير خدمات النقل والطبابة، دعم العائدين بمشاريع لتأمين سبل العيش الكريم، معالجة مشاكل المهجرين المغادرين بشكل غير شرعي وتسوية أوضاعهم. تأمين مراكز إيواء جماعي. ترميم آلاف المدارس، تأهيل شبكات مياه الشرب، تقديم التعويضات للمنازل المتضررة، تأهيل محطات الكهرباء، وانشاء محطات جديدة.
وبحسب شرف الدين فان على الحكومة «الاستفادة من الاجراءات المتخذة من الجانب السوري للتخفيف من تأثير النزوح. والذي يظهر بوضوح في التقرير المعد من قبل «الخلية الامنية المركزية» التابعة لوزارة الداخلية، بدعم تقني من «برنامج الامم المتحدة الانمائي»، الموزع من قبل وزير الداخلية على الوزراء. ويفنّد التقرير الضغط الحاصل نتيجة العدد الكبير من النازحين على موارد: الصرف الصحي، النفايات، السكن، المنافسة على سوق العمل، الرعاية الصحية، التعليم، المساعدات الاجتماعية، الامن، والتوترات بين اللبنانيين والنازحين السوريين الناجمة عن حوادث العنف أو الجرائم. وعليه اقترح شرف الدين «متابعة العمل على عودة النازحين وتعزيز التواصل مع المجتمع الدولي للمساهمة في مواجهة أعباء النزوح. مع الاصرار على العودة الآمنة، ورفض أي شكل من أشكال إدماج النازحين، أو توطينهم. وتنفيذ ورقة السياسة العامة لعودة النازحين، التي أقرتها الحكومة اللبنانية واعادة النظر فيها إذا لزم الأمر. لا سيما أن هناك خطة بعنوان «ورقة السياسة العامة لعودة النازحين»، كانت قد قدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة السابقة، وأضيفت اليها اقتراحات وزارة المهجّرين الحالية.
كلفة النزوح الهائلة المترافقة مع الانهيار الاقتصادي، يجب أن تعطى الاولوية على بقية الملفات. فعدا عن كونها تخفف أحمالاً كبيرة عن ظهر الاقتصاد، فهي سهلة وتحاكي العلم والمنطق. إذ كما يستحيل أن يثق أحد بـ»طبيب يداوي الناس وهو عليل»، لن يضع أحد يده تحت «بلاطة» أزمات لبنان، طالما الاخير يعاني مرض العوز والفقر، وينصب نفسه منتشلاً لمئات آلاف العائلات السورية من «المرض» عينه.