حالت الأزمة التي يعيشها لبنان منذ ثلاث سنوات، وأدخلت اللبنانيين في زواريب الهموم الإقتصادية والمعيشية، دون التنبّه لمخاطر النزوح السوري وانعكاساته الاجتماعية والديمغرافية. طفت مشاكل النازحين السوريين على السطح مجدّداً، وأدلى بعض المعنيين بالملفّ بدلوه، وفتح الإجتماع، الذي عقدته دار الفتوى في بعلبك للتشبيك والتنسيق بين المجتمع المحلي والجمعيات، الباب أمام مقاربة واقع النازحين بشكل جدّي، والبحث في تداعيات هذا النزوح وما له من آثارٍ على المجتمع المحلي المضيف، وما يحمل من نتائج تنعكس خطراً على المناطق التي تستضيف النازحين، قد تنفجر في أي لحظة، وتالياً على مستوى لبنان ككل، في ظل تلكّؤ المجتمع الدولي عن إيجاد الحلول المناسبة وإعادة تحريك مياه العودة الطوعية، بعدما كانت سلكت طريقها نحو التنفيذ، غير أنّ الإغراءات المادية والتقديمات وتدخّل بعض المنظّمات والجهات المانحة ساهم في توقّفها.
كشف اللقاء الذي عقد يوم الخميس الماضي عن واقع النزوح السوري والنازحين، والمشاكل والتحدّيات التي تعترض المجتمع اللبناني والبلديات العاجزة عن القيام بواجباتها أمام مواطنيها، فكيف الحال بها لتقديم الخدمات للمخيمات الواقعة ضمن نطاق عملها، إضافةً إلى طرح مشكلة التقديمات المادية التي يحصل عليها النازح السوري شهرياً، والمساعدات التي يتلقاها من الجمعيات، ويحصل فيها على أكثر من مساعدة في وقت واحد، وتحوّل النازحين إلى مجتمع كسول غير منتج يعتمد على التقديمات والمساعدات ويعتبرها واجباً، وعودة الحديث عن حالات نزوح وتسلل عبر المعابر غير الشرعية وخصوصاً بعد الزلزال الذي ضرب المناطق السورية والتركية لا سيما حلب.
كذلك كشف النقاب عن المشكلة الأبرز التي تعترض الدولة اللبنانية من دون علمٍ ودراية بها، لغياب الداتا والإحصاءات الموحدة بين الجمعيات المحلية والمنظمات الدولية، حيث تعمل كلٌ منها على حدة ووفق روزنامة وأجندة معينة، وهي الزيادة السكانية لأعداد النازحين، وأعداد الولادات لا سيما الفئة العمرية من سنة حتى خمسة عشر عاماً، والتي ولدت ونشأت داخل المخيمات وفي لبنان، وتشكل نسبةً لا تقل عن 45 بالمئة من النازحين بشكلٍ عام، حيث لحظت الجهات المعنية من بلديات ودوائر المحافظة تلك الزيادة، ودقت ناقوس الخطر خوفاً من إنفجار سكاني، ناهيك عن تعدد الزوجات الذي يعتمده أكثرية النازحين لزيادة عدد الأولاد وبالتالي زيادة المساعدات.
أطلق محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر خلال اللقاء صرخة وجع إزاء الواقع الذي يعيشه اللبنانيون، ومقاربة الواقع الحالي بين النازحين والمجتمع المضيف، وما يلحظه اللبنانيون من فروقات مادية للنازحين وتقديمات على حساب المجتمع المحلي، مجرياً مقارنة بين راتبه كأعلى سلطة إدارية في الدولة اللبنانية وبين ما يتقاضاه النازح. وفي حديث لـ»نداء الوطن» يقول خضر إنّ المشكلة الأساسية هي عدم وجود سقف زمني للنزوح، والغريب أنّ هناك أكثر من مليوني نازح في لبنان، لا رغبة لهم بالعودة إلى بلدهم وهذا مؤشر خطير، كذلك هناك تزايد خطير بأعداد النازحين، وإذا لم يكن هناك خطة للعودة سنكون أمام مطالبة بأراض جديدة لإنشاء مخيمات، أو بناء خيم ضمن المخيمات القديمة، وهذا التزايد يزيد من الأعباء والخدمات التي تقع على عاتق الدولة اللبنانية والبلديات من بنى تحتية وغيرها.
أضاف: «إن تلك الخدمات ليس بمقدورنا تقديمها، فالبلديات تعجز في هذه الأوضاع أمام السكان المحليين فكيف بالحال أمام النازحين»، مشيراً إلى أن اتحاد بلديات دير الأحمر أجرى دراسة وإحصاءات دقيقة للنازحين السوريين ضمن نطاقه تبين فيها أنّ 48% منهم تحت سن الـ15 عاماً، أي أنهم ولدوا في لبنان، كذلك تقدمت إحدى الجمعيات بطلب مشروع إلى المحافظة يستهدف 720 إمرأة من الحوامل في عرسال، وعند السؤال اذا كانت النسوة من النازحين واللبنانيين كان الجواب أنهن من السوريين فقط، وهذا ليس عدداً نهائياً ويمكن أن يكون الرقم أكبر.
وختم خضر بأن الحل اليوم يقع على عاتق الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي وإيجاد خطة وخريطة طريق لعودة النازحين إلى ديارهم.
من جهتها، تجري بلديات المنطقة وخصوصاً تلك التي تقع ضمن نطاقها مخيّمات النازحين، مسحاً ميدانياً للسكان وتوزّعهم بحسب الفئات العمرية، وقام اتحاد بلديات دير الأحمر بإجراء احصاء للنازحين ضمن نطاقه، تبيّن من خلاله أنّ عدد الأطفال الذين هم دون الـ15 عاماً هو 1782 شخصاً من أصل 3728 وهو مجموع القاطنين من ذكورٍ وإناث، أي ما نسبته 47%.
بدوره، يقول بشير مطر رئيس بلدية القاع لـ»نداء الوطن» إنّ «عدد النازحين السوريين في القاع يفوق 33 ألف نازح، لافتاً الى أن غالبية عدد الولادات من الزوجة الثانية والثالثة، ويشكّل الأطفال ومن هم دون 15 عاماً حوالى 50% من النازحين الموجودين، وحالات الزواج تلك تنتشر بشكل كبير في صفوفهم، حيث يتزوج النازح أكثر من امرأة ويحصل على المساعدات عنهم كلهم، واليوم لدينا حالة متمثّلة بربّ أسرة متزوّج من ثلاث نساء ولديه 16 ولداً يقبض عن الفرد الواحد مليون ليرة لبنانية من مفوضية اللاجئين إضافة إلى المساعدات العينية».
وأكد أنّ هذا الزواج حصل في لبنان بعد النزوح، ونحن نتفهم أن يتزوج الأعزب، لكن أن يتزوج المتزوج أكثر من إمرأة ويبني أكثر من خيمة ضمن المخيم ويتزايد عدد أفراد أسرته فهو أمرٌ مرفوض، لافتاً إلى أنّ الأخطر هو عدم وجود قرار قضائي بنزع صفة نازح عن أي سوري قام بجريمة أو مخالفة لشروط النزوح.