IMLebanon

“داتا” النازحين أصبحت بحوزة الأمن العام ومراهنة أوروبيّة على الوقت لدمجهم 

 

 

تتفاقم أزمة النزوح السوري في لبنان، مع تراكم الأزمات اللبنانية الإقتصادية والمالية والإجتماعية في ظلّ الجمود السياسي الذي يفرمل إيجاد الحلّ الجذري لأي منها. ولا تُشكّل هذه الأزمة أولوية لا بالنسبة للبنان ولا للمجتمع الدولي الذي لا يزال يرفض إعادة السوريين الى بلادهم لمصالح خاصّة. ولكن هناك خطر يُحدق بلبنان، وهو أنّ هناك مَن يراهن في المجتمع الدولي على الوقت لدمج النازحين السوريين في لبنان. ولكن يتبيّن مع مرور السنوات صعوبة هذا الأمر، في ظلّ عدم استجابة الحكومة لتلبية إحتياجات اللبنانيين أنفسهم، وآخرهم أهالي الجنوب النازحين من القرى الحدودية منذ أكثر من 100 يوم، أي على إثر بدء المواجهات العسكرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، فكيف ستتمكّن من مواصلة إستضافة النازحين السوريين؟!.

 

مصادر سياسية مطّلعة على ملف النزوح تضع مسؤولية عدم إيجاد الحلّ للنازحين السوريين على الدولة اللبنانية أولاً، كونها لم تُحسن إدارته على مدى السنوات الـ 12 الماضية، ولم تضع بالتالي أي ضوابط على أعداد وأماكن استضافتها للنازحين، على غرار ما فعلت كلّ من تركيا والأردن. علماً بأنّ هاتين الدولتين تحصلان من المجتمع الدولي على كلّ ما تطالبان به، على عكس لبنان الذي طالب مرّات عدّة بدفع الرواتب الشهرية للنازحين السوريين من قبل الأمم المتحدة، بعد عودتهم الى مناطقهم في سوريا، سيما أنّ هذه الأخيرة هي التي تُبقيهم في لبنان، إلّا أنّ الأمم المتحدة رفضت القيام بذلك. ولا تبادر هذه الأخيرة الى دفع المبالغ الشهرية للنازحين بشكل اعتباطي، إنّما ببطريقة مدروسة تهدف الى إبقائهم في لبنان ودمجهم لاحقاً مع الشعب اللبناني.

 

غير أنّ كل التجارب حتى الآن، على ما أضافت، أظهرت صعوبة حصول مثل هذا الدمج في لبنان. وقد ظهر هذا الأمر بوضوح أخيراً من خلال نزوح عدد كبير من العائلات اللبنانية من القرى الجنوبية التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي عليها، الى مراكز للإيواء في الجنوب، ولم تتمكّن الجهات المعنية من وضع النازحين السوريين منه أيضاً، في هذه المراكز مع اللبنانيين نظراً للمشاكل التي حصلت في ما بينهم، إن في القرى أو في بعض مراكز الإيواء. والأمر بسيط، لا علاقة له بالتعصّب والتمييز العنصري، ولا بعدم الإنسانية لدى اللبنانيين، على ما يدّعي البعض، إنّما بالاختلاف بين الشعبين في العادات والتقاليد. حتى أنّه لم يتمّ دمج اللبنانيين من طائفتين مختلفتين في مركز إيواء واحد، وذلك احتراماً لخصوصية كلّ طائفة، ولعدم التسبّب بإحراج أي منهما.

 

وفي ما يتعلّق بداتا النازحين التي تسلّمها الأمن العام أخيراً من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كشفت المصادر نفسها، أنّها “داتا” غير عملية، أو غير دينامية، وتحتاج الى جهد سنة أو أكثر لتحليلها للتوصّل الى نتيجة بسيطة. في حين أنّه كان بإمكان الدولة إنشاء منصّة خاصّة للتسجيل المُمَكنن للنازحين السوريين، والإعلان عن هذا الأمر في كلّ لبنان بالتعاون مع المحافظين والبلديات والمخاتير. ومن ثمّ القيام بزيارت لهؤلاء، لفرز أو تحديد فئات السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية بين نازحين فعليين، وعاملين في المهن التي بإمكانهم العمل فيها في لبنان وهي 3: البناء والنظافة والزراعة، ومقدّمي طلبات الهجرة الى دول أخرى.

 

فلو قامت الدولة بمثل هذا التسجيل، على ما تابعت، لكان لديها القدرة اليوم على تحليل المعلومات، ومعرفة العدد الحقيقي للنازحين السوريين على أراضيها، وأماكن تواجدهم وسكنهم، ووضعهم المستقبلي بين الراغبين بالعودة الى بلادهم، أو الهجرة الى بلد ثالث. غير أنّ عدم مبادرتها لمسك ملف النازحين بيدها، جعلها تحتاج “داتا” المفوضية العليا للنازحين، والتي أفرجت عنها بعد جهد جهيد، من دون أن تكون ذات فائدة، كونها بحاجة الى العمل عليها.

 

وبالنسبة للدول الأوروبية التي لا تزال ترفض استقبال النازحين من لبنان اليها، كما مساعي لبنان لإعادتهم الى بلادهم بحجّة أن الظروف غير مؤاتية، وذلك خشية أن تُصبح مضطرّة الى استقبالهم بعد ذلك، وأوجدت الحلّ في دفع الأموال أي المساعدات لإبقاء النازحين في لبنان، علّهم يندمجون مع الشعب اللبناني مع الوقت، تقول المصادر عينها انّ الوقت سيُظهر لها بأنّها مخطئة بما تقوم به. فكلّ الإجراءات التي اتخذتها، ولا تزال تتخذها ألمانيا، على سبيل المثال، لإعادة النازحين أو الحدّ من تواجدهم على أراضيها لم تُفلح، والدليل أعدادهم الكبيرة لديها. والأمر نفسه ينطبق على الدول الأخرى، سيما وأنّها دول لجوء، ولا يُمكنها عدم استقبال طالبي اللجوء إلّا لأسباب معيّنة، لا تنطبق على كلّ النازحين السوريين.

 

ورأت أنّ ما ترفعه الأمم المتحدة من شعارات عن “حقوق الإنسان والدفاع عنها”، ولهذا تدعم النازحين السوريين في لبنان مالياً من الباب الإنساني، قد سقطت لا سيما في العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، لا سيما الأطفال والنساء منهم، في قطاع غزّة. فلو كانت تملك هذه الإنسانية التي تتحدّث عنها، لما كانت أشاحت عيونها وصمّت أذانها عن قصد، عن معاناة هذا الشعب الذي قدّم حتى الآن أكثر من 24 ألف ضحية، ومن 100 ألف جريح و7500 مفقود. ولكانت طالبت مجلس الأمن باتخاذ قرار وقف الحرب فوراً على غزّة، لكنّ إنسانيتها تُترجم حيث مصالح الدول المسيطرة عليها.

 

من هنا، اعتبرت المصادر أنّه ليس على لبنان إلا الثبات على موقفه، وإسماعه الى المجتمع الدولي. علماً بأنّ هذا الأخير يرفض الإصغاء اليه، لكن عليه أن يُصغي ويعلم أنّ استمرار لبنان في استضافته لأكثر من مليوني ونصف مليون نازح سوري على أراضيه، سيوصله الى عدم استقرار إجتماعي بسبب عدم تلبية احتياجات اللبنانيين أولاً، والخلافات الحاصلة بينهم وبين النازحين السوريين في عدد من القرى والبلدات اللبنانية. ولهذا على المجتمع الدولي الاقتناع بمساعدة لبنان على حلّ هذا الملف، قبل أن تصل تداعياته اليه.