يُواصل لبنان عملية إعادة النازحين السوريين الراغبين بالعودة الى بلادهم لتخفيف العبء عن كاهل الدولة اللبنانية في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية غير المسبوقة في تاريخه التي يعاني منها الشعب اللبناني، بعدما أنهت المديرية العامّة للأمن العام الترتيبات اللوجستية مع الجانب السوري. وبدأت قوافل العودة رغم عدم تشجيع “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” في لبنان عليها، متذرّعة بأنّها “لا تزال غير آمنة”، وفي ظلّ وقوف المجتمع الدولي موقف “المتفرّج” على أزمة لبنان، وإصراره على أنّ “موعد العودة لم يحن بعد”، لأسباب في نفس يعقوب.
وتسجّل للعودة الطوعية حتى الآن نحو ألفي شخص، من أصل 2 مليون و80 ألف نازح سوري مقيمين على الأراضي اللبنانية، على ما كشف أخيراً مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم خلال مؤتمر صحافي، سيما وأنّ المنظمات الدولية كانت تتحفّظ عن الإفصاح عن الرقم الفعلي للنازحين السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية، وتكتفي بالقول إنّهم “ما دون المليون”. وقد جرى إعادة دفعتين الأولى في 26 تشرين الأول الفائت، والثانية يوم السبت في 5 تشرين الثاني الجاري، بإشراف الأمن العام ومواكبة أمنية من الجيش اللبناني وفريق من الصليب الأحمر، وضمّت كلاهما مئات العائلات السورية (نحو 600 شخص) النازحة، بعد ان جرت تسوية أوضاعهم في مركز إيواء الجراجير.
وتقول مصادر سياسية مطّلعة، بأنّ تزايد عدد النازحين السوريين وتخطّيه المليوني نسمة، رغم إعادة قرابة الـ 400 ألف سوري الى بلادهم منذ بدء تنفيذ خطّة إعادتهم من قبل الأمن العام اللبناني في العام 2017، والتي توقّفت في نهاية العام 2019 بسبب انتشار وباء “كورونا”، يُشكّل أمراً خطيراً ليس فقط على الوضع الإقتصادي المنهار والذي يعاني من أزمة خبز، ومحروقات وأدوية وسواها، إنّما على الديموغرافية في لبنان كما على تاريخه وثقافته وأرضه، سيما وأنّ عددهم يوازي الآن أكثر من نصف عدد سكّان لبنان، فما الذي سيصبح عليه بعد سنوات في حال بقيوا فيه من دون إيجاد حلّ لمعاناتهم؟ الأمر الذي يجعل عودتهم الى بلادهم، بعد استتباب الأمن فيها منذ سنوات، ضرورية وحتمية، وأفضل لهم من البقاء يعيشون في الخيم المعرّضة للتدمير أو الإحتراق مع اقتراب موسم الشتاء بفعل العواصف، واستعمال أدوات التدفئة داخلها.
وتجد المصادر بأنّ إفراغ البلاد من شعبها هو هدف خارجي يصبّ بالدرجة الأولى في مصلحة العدو الإسرائيلي. وقد بدأنا نشهد خلال السنة الأخيرة الماضية تزايد عدد اللبنانيين الذين غادروا البلاد الى دول الخارج إمّا للتعلّم أو للعمل، أو للإستشفاء، وقد وصل عددهم الى مئات الألاف وهو أكثر بكثير من أعداد المهاجرين اللبنانيين خلال سنوات الحرب. ولهذا، لا يُمكن للدولة اللبنانية الموافقة على مخطط تهجير اللبنانيين، لدمج أو توطين مواطنين آخرين على أراضيها، انطلاقاً من أنّ الدول الموقّعة على اتفاقية فيينا والتي تُعتبر دول لجوء، والتي لا يدخل لبنان من ضمنها، تقوم حالياً بتقليل عدد اللاجئين على أراضيها، من خلال إصدار قرارات بحقّهم تجبرهم على ترك البلاد، من دون أن تهتم بإعادتهم الى بلادهم.
غير أنّ الوضع يختلف في لبنان، على ما أكّدت المصادر نفسها، كون عودة النازحين السوريين من لبنان الى قراهم تبقى “طوعية” إذ ما من أحد يُجبرهم على العودة على غرار ما يحدث في بعض الدول الأوروبية، تحت ستار التهم والقرارات الحاسمة. كما أنّها أسهل، وتتمّ عبر البرّ، أي بكلفة أقلّ من عودتهم من الدول الأوروبية. وفيما يتعلّق بعدد النازحين المسجّلين أي الراغبين في العودة من لبنان، فلم يتخطّ الألفي نازح، وقد أعيد منهم أخيراً نحو 600 نازح على دفعتين، ومن بينهم من ورد على أسمائهم ملاحقة أمنية وقضائية، فضلاً عن الأشخاص المتخلفين عن الجيش والمتخلفين عن الإحتياط والأشخاص الذين بحقّهم مراجعات بحسب وزارة المهجّرين. في الوقت الذي لا تزال فيه مراكز الأمن العام الطوعية وعددها 17 مركزاً والتي افتتحت على كامل الأراضي اللبنانية تستقبل طلبات الراغبين في العودة الى سوريا. وشددت على أنّ لبنان يفتح باب “العودة الطوعية” أمام السوريين، ويعمل على تسهيل عودتهم هذه إن كان لوجستياً، أو من خلال تسوية أوضاعهم القانونية مجّاناً فور المغادرة.
إلّا أنّ المجتمع الدولي، على ما أضافت المصادر، لا يزال لا يُشجّع على إعادة السوريين من لبنان ودول المنطقة الى بلادهم، ويكتفي لدى اطّلاعه على تزايد عدد النازحين السوريين في لبنان، وعلمه بأنّه تخطّى نصف عدد سكّان لبنان، بشكره على هذه الإستضافة الكريمة. كما أنّه لا يُقدّم أي عون للبنان من أجل تسهيل العودة رغم معرفته بمدى خطورة الإنهيار الإقتصادي الذي وصلت اليه البلاد مع تدنّي القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وارتفاع سعر الدولار الأميركي ووصوله الى الـ 40 ألف ل.ل. وعدم قدرة الدولة على تأمين الإحتياجات الأساسية للشعب اللبناني، إنّما يُواصل تقديم المساعدات المالية للنازحين للبقاء على الأراضي اللبنانية. ولم يُوافق بالتالي، على طلب لبنان المتكرّر، بأن تتواصل مساعدة السوريين مادياً مع عودتهم الى مناطقهم وقراهم، الى حين تمكّنهم من استعادة حياتهم الطبيعية في بلادهم.
أمّا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان فلا تريد، بدورها، على ما عقّبت المصادر عينها، تشجيع النازحين السوريين على العودة، لكي لا يتوقّف دورها، رغم أنّ وجودها فيه مرتبط أساساً باللاجئين الفلسطينيين، وليس بالنازحين السوريين الذين هربوا الى لبنان منذ العام 2011، من دون أي مذكرة أو إتفاقية عربية أو دولية وافق عليها لبنان لاستقبالهم على الأراضي اللبنانية. ولهذا، يمكنهم العودة بالسهولة نفسها التي أتوا بها، أي من دون موافقة دولية أو خارجية. وتكتفي المفوضية بالقول إنّ عدد النازحين السوريين في لبنان لا يتخطّى المليون، وبأنّها تعمل على إيجاد بلد ثالث للمسجّلين لديها، إلّا أنّ مهمّتها هذه لم تنتهِ طوال السنوات الماضية.
ويطالب لبنان، باستمرار المنظمات الدولية المعنية بتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، من أجل تخفيف العبء الإقتصادي الذي تتحمله الدولة اللبنانية، في ظل الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية غير المسبوقة التي يعيشها والتي جعلت أكثرية المواطنين اللبنانيين دون خط الفقر. إلّا أنّه أخذ على عاتقه هذا الملف بعدما حصل وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين من دمشق التي زارها قبل أشهر، على موافقة رسمية تتضمّن جميع التسهيلات التي ستقدّمها الدولة السورية للعائدين من تأمين مساكن إيواء للذين دُمّرت بيوتهم، وتأجيل الإلتحاق بالخدمة العسكريّة لمدّة 6 أشهر، والإستفادة من العفو العام الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد أخيراً، وتأمين وظائف أو عودة بعضهم إلى وظائفهم في الإدارات الرسميّة وغير ذلك.