هولاند أبلغ الراعي: لا تحلموا بانتخاب الرئيس قبل حلّ الأزمة السورية
الخلاف على قانون الإنتخاب يضع هيئة الحوار أمام مفترق صعب
إتهام باسيل للرئيس برّي بأنه يتصرّف بمنطق معادٍ للمسيحيين يضع العلاقة بين الطرفين على المحك
لم يكن مؤملاً أن تتوصّل هيئة الحوار الوطني إلى إتفاق على إدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال جلسة يعقدها مجلس النواب بدعوة من رئيسه نبيه برّي الذي أعلن على الملأ إصراره على تفعيل عمل المجلس في دورة انعقاده الحالية حتى لا يبقى معطلاً وتتعطّل معه مصالح الناس، والذي حصل في جلسة الحوار التي انعقدت أمس أكد من جديد على استمرار إتساع الهوّة بين المتحاورين حول هذه المسألة التي لا تقل حساسية عن الانتخابات الرئاسية العالقة بدورها بين سندان حزب الله والتيار الوطني الحر ومطرقة الدولة الإيرانية.
وإذا كان الرئيس برّي تقدّم في بداية جلسة الحوار باقتراح حاول من خلاله التوفيق بين الفريق الذي يعطي الأولوية لانتخاب رئيس جمهورية على قانون الانتخابات من منطلق دستوري بحت ينص على أنه لا يجور لمجلس النواب وضع وإقرار قانون الإنتخابات في ظل شغور رئاسة الجمهورية، حتى لا يسقط حق الرئيس في ردّ القانون والطعن به أمام المجلس الدستوري، وهذا حق له بموجب الدستور، وبين فريق يربط مسألة إنعقاد مجلس النواب لتشريع الضرورة أو التشريع العادي بإقرار قانون الانتخابات ويقاطع أي جلسة يدعو إليها رئيس المجلس حتى ولو كانت لتشريع الضرورة، إذا لم يكن قانون الانتخاب بنداً أولاً على جدول أعمالها.
وأمام هذه العقدة المستعصية قدّم برّي في جلسة أمس الحوارية إقتراحاً أشبه ما يكون بتدوير الزوايا ويقضي بدعوة هيئة المكتب لوضع جدول أعمال الجلسات العتيدة وفق تشريع الضرورة على أن يكون من ضمنه قانون الانتخابات فإذا وافقت الهيئة تعقد الجلسة ويتعيّن عندئذٍ على الهيئة العامة للمجلس أن تعيد ترتيب أولوياتها فتعيد النظر بما كانت أقرّته سابقاً لناحية أن قانون الانتخاب يجب أن لا يقرّ في غياب رئيس الجمهورية، فإذا تراجعت عن هذه التوصية يُبحث القانون وقد يقرّ قبل انتهاء دورة المجلس نهاية شهر أيار المقبل، لكن هذا الطرح لم يكن محط إجماع داخل هيئة الحوار إستناداً إلى الحوار الذي دار في الجلسة وظهر بعدها إلى العلن في التصريحات التي أدلى بها المتحاورون بعد رفع الجلسة الحوارية، وكان التيار الوطني الحر ممثلاً بالوزير جبران باسيل أبرز المعترضين على اقتراح الرئيس برّي ووصفه «بالمناورة» لعدم طرح أو إقرار قانون الانتخاب، ذاهباً إلى أبعد من ذلك ووصف القضية بأنها قصة عدالة ومساواة بين اللبنانيين ومنطق العدالة بينهما قد فُقد في اتهام واضح للرئيس برّي بأنه يتصرّف بمنطق معادٍ للمسيحيين ولتحقيق العدالة والمساواة التي يطالبون بها من خلال إقرار قانون إنتخابي عادل ويوفّر التمثيل الصحيح وذلك قبل انتخاب رئيس جمهورية ما حدا بمستشار الرئيس برّي الوزير علي حسن خليل إلى اتهام الوزير باسيل ومن دون أن يسميه أيضاً بأنه يتكلم بلغتين ووجهين حيث أنه لم يتحفظ في جلسة الحوار على عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب، وجاء تصرّفه خارج الجلسة عكس تصرّفه داخلها. فماذا يُستخلص مما حصل في جلسة الحوار أمس سوى أن الخلاف بين أرباب السلطة انتقل من الاستحقاق الرئاسي إلى قانون الانتخاب، وإذا كان الخلاف على الموضوع الأول ما زال مستحكماً ومحكوماً بإرادة قوى خارجية، فإن الخلاف على الموضوع الثاني أي قانون الانتخاب هو أكثر صعوبة وتعقيداً ويحتاج إلى قدرة إلهية لحلّها في زمن انعدمت فيه المعجزات، ما يدل على أن ما يحصل داخل هيئة الحوار أشبه ما يكون بحوار الطرشان بين فريقين قررا مسبقاً أن لا يتفقا أو قررا أن يتوافقا على إبقاء البلد يتدحرج إلى حدّ الانهيار المحتوم غير القابل للتوقف عند حدود تسمح بإعادة إيقافه على رجليه على حدّ المثل اللبناني الدارج، ويصح في ضوء هذا الوضع ما نُقل عن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في حديث له مع البطريرك الماروني بشارة الراعي ومفاده أن لا يتأمل اللبنانيون في حل مشاكلهم وأبرزها إنتخاب رئيس جمهورية يعيد انتظام المؤسسات لأن وضع بلدهم أصبح مرتبطاً بشكل كامل بالأزمة السورية، وربما بأزمة منطقة الشرق الأوسط كلها.