قد يكون من باب الرهان على المجهول – شبه المستحيل الحديث عن مخرج لاشكالية، ولأزمة العلاقة بين الرئاستين الاولى والثانية على خلفية مرسوم منح الاقدمية سنة لضباط دورة العام 1994، والتي تعززت بالفوارق في الرؤى حول سلة التعديلات المقترحة والمطلوبة من قبل «التيار الوطني الحر» برئاسة (وزير الخارجية) جبران باسيل، على قانون الانتخابات النيابية الجديد، والذي يفتخر العهد بأنه أحد أكبر انجازاته..
يتمسك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمواقفه من مرسوم الضباط، وبالمقابل لا يبدي الرئيس نبيه بري أي تجاوب.. والفريقان يسعيان الى حشد أوسع دعم لموقفيهما على رغم «العراك السياسي – الاعلامي»، الى ان وصلت الامور بهما الى الاستعانة بالمرجعيات الدينية على نحو ما حصل الاسبوع الماضي..
في خطبة يوم الجمعة الماضي، توجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان الى «السياسيين المتعنتين» طالباً «الاعتذار..» و»التكفير عن الذنوب والخطايا والجرائم» في «حق هذه الدولة التي سيبتموها وحولتموها الى جثة هامدة بسبب خلافاتكم ونزاعاتكم وخصوماتكم وتطاولاتكم على القانون والدستور الذي أصبح حبرا على ورق.. ولازلتم تصرون على هذه المنهجية المتخلفة والساقطة..».
لم تمضِ ساعات على ذلك، حتى طل البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، من القصر الجمهوري في بعبدا، بعد لقائه الرئيس العماد ميشال عون، ليدخل على خطة الازمة، معلنا ان «لا داعي لهذا الخلاف الكبير (بين الرئاستين) في شأن المرسوم حيث هناك تمييز بين مرسومي الاقدمية والترقية.. فمرسوم الاقدمية لا علاقة له بالمال، وتطبيق المادة 45 من اختصاص الوزير المختص، اما مرسوم الترقية الذي يتضمن أموراً مالية يحتاج بالطبع توقيع وزير المال، وبهذه الامور نطبق الدستور..».
تبنى المفتي قبلان قراءة الرئيس بري.. وتبنى البطريرك الراعي قراءة الرئيس عون، حيث بات الطرفان يحظيان «بغطاء روحي»، لا أحد يعرف الى أين سيصل وكيف؟ ولقد كان لافتاً خروج المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى («السني») في اجتماعه برئاسة المفتي عبد اللطيف دريان، عن هذا السياق مؤكداً «أهمية التوافق والتعاون والتنسيق بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة..» ولافتاً الى ان «الرؤساء الثلاثة هم صمام الامان للبحث في كل القضايا الوطنية التي ينص عليها دستور اتفاق الطائف..» مشدداً على «اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، باعتباره مفصلاً مهما للبنانيين..».
الواضح من خلال التطورات الحاصلة والمعطيات المتوافرة، وخلافا لما يرى البعض، فإن الانقسام بين الرئاستين الاولى والثاني يزداد تعمقاً يوماً بعد يوم، ولم تعد الرئاسة الثالثة بمنأى عنه، على نحو ما حصل في جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي، من تلاسن بين الرئيس سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل، وأدى الى مغادرة الحريري القاعة ثم العودة اليها فلحق به عدد من الوزراء لثنيه عن قراره ونجحوا باعادته لترؤس الجلسة.. من دون ان يفارق الارباك والتوتر الأجواء.. وقد بدا ذلك على أوجه الجميع.. وقد كان لافتا مغادرة الرئيس الحريري، بعد ساعات قليلة بيروت متوجهاً الى باريس في زيارة وصفت بـ»العائلية»..
يتمسك الرؤساء الثلاثة (عون وبري والحريري) بأن الانتخابات في ايار أياً كانت الظروف ويذهب البعض الى التأكيد على أن ما يجري من تصعيد في المواقف هو من ضرورات المرحلة، لاسيما وان الانتخابات النيابية على الأبواب، هذا اذا لم يطرأ طارئ يحتم الارجاء والتمديد لمجلس النواب الممدد له ولاية ونصف ولاية.. خصوصاً وأن القريبين جداً من مواقع القرار يجزمون بأن «أسباب الازمة سياسية وليست تقنية.. او ذات ابعاد سياسية.» على ما قال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لوفد نقابة الصحافة، يوم الجمعة الماضي.. هذا يعني، ان أبواب التصعيد مفتوحة على مداها، وكل فريق يرمي كرة مسؤولية ما حصل على الآخر، بهدف «تبرئة ذمته» والحصول على أوسع شعبية ممكنة..» خصوصاً أكثر، مع ايلاء العديد من الدول في الخارج، اهتماماً ملحوظاً للانتخابات وما ستؤول اليه.. «ليبنى على الشيء مقتضاه».. ومادة العمل الرئيسية هي «الدولة» التي صارت بنظر المفتي قبلان «جثة هامدة» بسبب خلافات السياسيين وخصوماتهم وتطاولهم على القانون والدستور الذي أصبح حبراً على ورق..»؟!
يتفق الجميع، وعلى نحو كبير، ان لا مشكلة، ولا تبدلات تذكر في تمثيل «الثنائي الشيعي» (أمل» و»حزب الله»).. لكن المشكلة الحقيقية تتمثل في بيئة «المارونية السياسية» و»الى حد ما في «السنية السياسية».. وان «التيار الوطني الحر»، و»المستقبل» مستهدفان في العمق وأن بنسب مختلفة على رغم وضوح العلاقة التحالفية بين بعضيهما البعض، في أكثر من منطقة ودائرة انتخابية.. وغموض مستقبل هذه التحالفات ازاء آخرين.. وأياً تكن التطورات التحالفية، فإن لبنان، دخل عملياً في مدار الاستحقاق الانتخابي، وان لم يغب قلق يساور كثيرين حول مصير هذا الاستحقاق، الذي تجلى في مواقف الرئيس نبيه بري الذي يكرر أمام زواره أنه يملك معلومات عن «ان هناك من لا يريد الانتخابات، داخلياً وخارجياً..» وذلك خلاف ما يؤكده الرئيس عون لجهة «ان الانتخابات النيابية ستجري في موعدها ووفق نظام انتخابي جديد يعكس الارادة الحقيقية للبنانيين» مشفوعاً بالتحرك الميداني للوزير باسيل الذي انطلق من بيروت الاولى (الاشرفية)، مؤكداً اننا «ارتضينا الدستور لكن لن نقبل حرفا واحداً أقل منه..»، «لا بصلاحية ولا بممارسة..»؟!
يرى متابعون أنه عندما يكون الدستور نقطة تجاذب او خلاف على تفسير مواد (على نحو ما هو حاصل) بين الرئاستين الاولى والثانية.. وقد تكون بين الرئاسات الثلاث، فلا بد من «ايجاد المرجعية الدستورية الصالحة للبت بالتفسيرات..» فهل يحصل ذلك، كيف ومتى؟!