هل يُرفع شعار «الضرورات تبيح المحظورات»؟
عن تعطيل المجلس وانعقاد الحكومة.. بغياب الرئيس!
الحقيقة المخجلة، كما يقول مرجع سياسي، هي «أن العالم احرص على لبنان من بعض اللبنانيين الذين يساهمون، بأدائهم وأهوائهم وكيدياتهم، في ادخال لبنان في مرحلة من التعقيد الذي تستحيل فكفكته، ومن الفوضى السياسية التي تستحيل معها اعادة انتاج الدولة».
ومن فرط استيائه، يقول المرجع «يكاد العالم يخجل منا، فيندر أن تخلو زيارة لشخصية دولية للبنان من نصيحة للبنانيين: ما يجري في المنطقة اكبر من لبنان، حافظوا على مؤسساتكم الدستورية. كما يندر الا يسمع مسؤول لبناني تلك النصيحة في لقاءاته الخارجية وعلى اي مستوى».
قد يُنظر الى نصائح الخارج بالحفاظ على المؤسسات على أنها غير ملزمة، الا ان في الداخل ما هو اكثر من ملزم لكل القوى السياسية لإعادة بث الحياة في المؤسسات الدستورية واعلان الاستنفار السياسي العام ورسم خط الدفاع الحكومي والمجلسي عن الدولة بالمراسيم والتشريعات، وبالمواكبة الحثيثة للوضع الاقتصادي الذي يضربه تراجع خطير وشلل شبه كامل وعجز تجاوز الخط الاحمر، ومؤسسات تفلس وأخرى تنهار. وكذلك للإدارة التي تنهار ويأكلها الفلتان، وينخرها الفساد الذي لم يعد مقتصرا على الجسم المدني، بل تمدد الى بعض المؤسسات الأمنية، وها هي الفضيحة الاختلاسية تلقي بعض النجوم العليا في السجن. وكذلك الامر بالنسبة الى الامن المقيد بقلق دائم من انهيار في اية لحظة، جرّاء تنامي الشبكات الإرهابية والتكفيرية، وكذلك فوضى اللصوصية وعودة تجارة الفدية الى الازدهار.
واكثر ما يخجل ويبعث على اشمئزاز المرجع السياسي، هو انه «برغم هذه الحقيقة المروعة لحالنا، هناك من هو مصرّ على الا يسمع، وألا يرى ابعد من انفه.. ومصالحه. وبالتالي تبدو الحكومة أمام ما يجري اقل من حكومة تصريف اعمال، فيما المجلس النيابي معطّل بإصرار بعض القوى السياسية على الغاء دوره ومنع عجلته التشريعية من الانطلاق».
المريب أن معطّلي البرلمان يبيحون لأنفسهم الشيء وعكسه في آن واحد. فمن جهة، وبرغم غياب رئيس الجمهورية الذي هو أصلا شريك في الحكومة ويرأسها عندما تجتمع، فإن المعطلين الممثلين في الحكومة متحمسين لانعقادها بمعزل عن الرئيس ويتقاسمون صلاحياته، ويحرصون على عمل ومشاريع ومناقصات وزاراتهم، ويقاتلون دفاعاً عن لوحات سياراتهم الحكومية. ولكن من جهة ثانية فإن هؤلاء انفسهم الممثلون في مجلس النواب، يتذرعون بعدم جواز التشريع في غياب رئيس الجمهورية، وتحت اي ظرف. فكيف يجوز الانعقاد حكوميا ولا يجوز مجلسيا؟
انها كيدية موصوفة، ومزايدة مسيحية ـ مسيحية بين «8 و 14 آذار»، ومسيحية ـ اسلامية داخل «14 آذار». ومع ذلك يحاول هؤلاء الهروب الى الامام والقاء المسؤولية على الآخرين، وبالتالي القول إن المشكلة في مكان آخر، عبر ربط انعقاد اية جلسة تشريعية بوضع القانون الانتخابي بندا اول في جدول الاعمال، علما ان اصحاب هذا الربط على يقين بأن قانون الانتخاب هو المادة الخلافية الاساسية في ما بينهم وكذلك بينهم وبين الشركاء الآخرين في الوطن، وثمة ما يشبه الاستحالة في امكان الوصول الى صيغة مشتركة ضمن ميزان القوى الحالي.. الا اذا حصلت معجزة.
امام هذا الوضع المجلسي المعطل، يعدّ بري عدّته لإطلاق العجلة البرلمانية، خاصة بعدما دخل المجلس عقده العادي الاول اعتباراً من العشرين من الشهر الجاري، ومن يستوضحه يسمع «دلّوني من هو المستفيد من تعطيل المجلس، لقد صار من الضروري على الجميع ان يقدموا الدليل على انهم بلغوا سن الرشد السياسي، ليس مقبولا ان نبقى نسير كدولة عرجاء. يجب ان يستعيد المجلس حيويته.. عيب ان نبقى على هذا الحال».
«لا تشريع في غياب رئيس الجمهورية» مقولة لا تقنع بري، فمثلما تجتمع الحكومة، يجب ان يلتئم المجلس، وكما ان لا مانع من انعقاد الحكومة، فلا مانع من انعقاد المجلس، والمسموح هناك لا ينبغي أن يكون ممنوعاً هنا، ثم الم ينص نظامنا البرلماني على فصل السلطات؟
وفي اعتقاد بري انه اذا كان اجتماع الحكومة ضروريا وملحّاً، فانعقاد المجلس ربما يكون اكثر الحاحا، فهناك تشريعات ومصالح الناس، ومشاريع حيوية للبلد واتفاقيات دولية مالية يجب ان تقر.
هنا قد يغلب في النهاية منطق «الضرورات تبيح المحظورات».. ولكن بري على يقين ان «حلحلة الأمور في لبنان تتوقف على انتخاب رئيس الجمهورية، الذي يجب أن يكون قريباً.. وقد آليت على نفسي من البداية لبننة الرئاسة وأن تجرى الانتخابات تحت شعار صنع في لبنان فنثبت للعالم كله اننا بلغنا سن الرشد ونستطيع ان نسيّر أمورنا بأنفسنا فلم نتمكن من ذلك. لكنني سأبقى متفائلا حتى ولو أصرَّ الآخرون على التشاؤم، وسأبقى أزرع الأمل على طريق الرئاسة حتى نتمكن في نهاية الأمر من قطاف هذه الثمرة».