الخارطة النيابية الجديدة ستفرض نفسها بقوة على عملية تأليف الحكومة
الأوضاع المضطربة حولنا تتطلّب طي صفحة الانتخابات وتحصين لبنان بحكومة جامعة وقوية
اما وقد وضعت المعركة الانتخابية أوزارها، وبدأ كل فريق سياسي يضع قراءته الأوّلية للنتائج ويحدد أين أصاب واين اخفق ان على مستوى تحالفاته أو تعاطيه مع جمهور الناخبين، فإن الحديث بدأ وان خجولا حول مرحلة ما بعد هذه الانتخابات التي انتجت واقعاً سياسياً جديداً، عن مسألة تأليف الحكومة التي ستأتي بعد الحكومة الحالية التي ستتحول بعد العشرين من هذا الشهر إلى حكومة تصريف أعمال.
لا شك ولا ريب بأن مناخات الانفعال والتشنج التي حكمت أجواء الانتخابات النيابية سيكون لها بالغ الأثر في ما خص تأليف الحكومة العتيدة خصوصاً وان ما أسفرت عنه هذه الانتخابات من نتائج يوحي بأن منسوب هذا التشنج سيعود إلى الواجهة وربما يرتفع مع دخول البلد مدار تأليف الحكومة، إذ انه من الطبيعي ان القوى السياسية ستطالب خلال عملية التفاوض بتمثيلها وفق حجمها النيابي وهذا المطلب لن يكون بالأمر السهل، سيما وانه من المعلوم ان توزيع الحقائب كان يُشكّل مع تأليف أية حكومة لغماً قوياً امام ولادتها، ناهيك عن مسألة اعداد المستوزرين لهذا الفريق أو ذاك.
وإذا كانت مصادر سياسية عليمة ترى انه من المبكر الآن فتح الأبواب على الاستحقاق الحكومي حيث ما زالت امامنا مسألة انتخاب رئيس لمجلس النواب، ومن ثم تسمية الرئيس المكلف بعد مشاورات يجريها رئيس الجمهورية، ويلي ذلك موضوع الاستشارات الملزمة التي سيجريها الرئيس المكلف في المجلس النيابي، فإنها ترى ان خوض غمار هذا الاستحقاق يحتاج بالتأكيد إلى نقاش وفق المقاييس السياسية والدستورية والأعراف.
وفي رأي هذه المصادر ان ما أفرزته الانتخابات النيابية من نتائج سيفرض نفسه على تأليف الحكومة المقبلة، إذ ان التأليف بالتأكيد لن يكون على أساس الموازين القديمة التي جاءت بالحكومة الحالية، حيث لا يجوز تجاهل ما استجد على الخارطة السياسية الجديدة التي رسمتها الانتخابات النيابية، من دون ان يسهو عن بالنا بأنه كما لتأليف الحكومة معطيات داخلية فإن هناك ايضا معطيات إقليمية ودولية لا يُمكن تجاهلها.
وإذ تعرب المصادر عن اعتقادها بأن التكليف سيكون سهلاً اما التأليف فستكون طريقه شاقة، فإنها في الوقت ذاته ترى ان الأوضاع الإقليمية المضطربة والمشتعلة من حولنا تتطلب فتح صفحة جديدة على المستوى السياسي تقطع أي صلة بصفحة ما سبق وتخلل واعقب الانتخابات، ومن هذا المنطلق فإن لبنان بحاجة إلى ان يحصّن نفسه بحكومة جامعة وقوية، بحيث لا تكون مسألة توزيع الحقائب لغماً، طالما هناك اعراف ومعايير تحكم هذه المسألة.
وفي هذا السياق، فإن مصادر متابعة لا ترى ان ولادة الحكومة ستكون قريبة في ظل التعقيدات الموجودة، وان عملية التأليف يتوقع لها ان تأخذ الكثير من المد والجزر والاخذ والرد وقد يستغرق ذلك بضعة أشهر، خصوصا وان أفرقاء سياسيين سيطالبون ببعض الحقائب التي سيكون عليها فيتو من أفرقاء آخرين وهذا الأمر لا يُمكن تجاوزه من خلال عملية تفاوضية تبدي فيها كل الأفرقاء استعدادها لتقديم تنازلات.
وتوقعت المصادر ان تأتي الحركة الاعتراضية على توزيع الحقائب من قبل «التيار الوطني الحر» الذي بدأ يلمح منذ الآن، إلى رفضه ان تكون حقيبة المالية من حصة الرئيس نبيه برّي الذي سبق ان أكّد في مواقف له «ان وزارة المالية هي للطائفة الشيعية وهذا الأمر هو منذ قديم الزمن وما بعد الطائف مباشرة اتفق عليه في الطائف ونفذ، وأتت فترة جاء فيها المرحوم الرئيس رفيق الحريري واتفقت معه على ان يكون وزير المالية شخص شيعي واتفقنا على كل شيء وعلى الاسم، وآنذاك قال لي انه يريد لفؤاد السنيورة ان يكون وزيرا للشؤون المالية باعتبار انه يريد إنقاذ موضوع المال والاقتصاد، ومقابل هذا الموضوع رفضت إعطاء أي صلاحيات استثنائية للحكومة وحصلت مشكلة بيني وبينه».
هذا الموقف يبدو ان الرئيس برّي الذي لا يغلق باب الحوار على أي مشكلة ما زال متمسكاً به كون ان توقيع وزير المالية على المراسيم يعطي الطائفة الشيعية الشراكة في الحكم.
وبدأت تبرز مواقف سياسية حول مسألة الحقائب حيث أعلن «تيار المردة» بأنه لا يمانع في إعطاء حقيبة المالية للرئيس برّي، لكنه في الوقت ذاته أكّد انه ليس مع تكريس أي وزارة لأي طائفة، وكان لـ«القوات اللبنانية» موقف مشابه حيث أكدت مصادرها بأن لا مشكلة في تولي حركة «امل» حقيبة المالية لكنها رفضت مبدأ تكريس حقيبة ما لطائفة ما.
وتخلص المصادر المتابعة إلى القول بأن تأليف الحكومة يحتاج إلى نقاش سياسي هادئ ومعمق يأخذ في الاعتبار ما استجد على مستوى نتائج الانتخابات والا سنكون امام حكومة تصريف أعمال لأشهر طويلة على غرار الحكومة السابقة.