Site icon IMLebanon

توزُّع القوى البترونية… وسيناريوهات إسقاط باسيل

 

 

تُشكّل البترون مع الكورة وبْشرّي وزغرتا الدائرة المسيحية الأكبر في لبنان، حيث تضمّ 10 مقاعد نيابية، وتأخذ المعركة في البترون على المقعدين المارونيّين أبعاداً كثيرة نظراً الى وجود رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل فيها.

يعتبر البعض أنّ إسقاط باسيل في الإنتخابات المقبلة ضربةٌ قوية للعهد أوّلاً، وضربةٌ أقوى لمستقبله السياسي ثانياً، إذ إنّ خسارته الإنتخابات هذه المرّة ستعني أنّه غير مؤيَّد في منطقته، أما الفوز فسيمنحه مشروعيّة نيابية إفتقدها في إنتخابات 2005 و2009، وكذلك سيضمن له ترشيحاً فعلياً لرئاسة الجمهوريّة.

لا يستطيع أحدٌ توقّعَ نتائج الإنتخابات من الآن، لأنّ المفاجآت واردة في أيّ لحظة، والتحالفات لم تتبلور بعد، لكنّ الأحاديث الدائرة في الأروقة البترونية تُركّز على شراسة المعركة والسيناريوهات المتوقَّعة، وكيف يمكن كلّ مرشح أن يرسب؟ وماذا يجب على القوى السياسيّة المعارِضة لباسيل أن تفعل لإسقاطه مجدداً؟

وضعُ القوى

أسقط قانونُ الانتخاب النسبي مقولة إنّ هناك ثلاث قوى أساسية في البترون هي «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» والنائب بطرس حرب، فإذا تحالف إثنان أسقطا الثالث حتماً، وباتت المعركة تدور على الصوت التفضيلي في القضاء ورفع منسوبه لتصدُّر ترتيب المرشحين في الدائرة الكبرى.

في المقابل، لا يمكن إستنتاج كيف يمكن إسقاط باسيل قبل معرفة حجم القوى ووضعها، اذ إقترع في البترون في إنتخابات 2009 نحو 33 ألف ناخب، ونال باسيل نحو 14265 صوتاً منهم، فيما نال حرب نحو 17733 صوتاً، والنائب أنطوان زهرا 17541 صوتاً.

ونظراً الى حجم القوى ودورها يمكن تلخيص حجمها وفق الآتي:

• باسيل: على رغم نيله أكثر من 14 ألف صوت في الدورة السابقة، فإنه خسر في مواجهة تحالف «14 آذار»، وسيكون في هذه الدورة شبهَ وحيد إذ إنّ تيار «المردة» سيصوّت ضده بعدما كان منحه أصواته سابقاً. وفي حال قرّر ترشيح شخصيّة من الجرد على لائحته فسيخسر قسماً من الأصوات التفضيلية العونية التي ستذهب الى مرشّح الجرد، إلّا إذا منح هذا المرشّح أصواته التفضيلية لباسيل وقبِل بخوض الإنتخابات إرضاءً للمنطقة الجردية.

ويقدّر البعض بأنّ صافي الأصوات التفضيلية التي قد ينالها باسيل تصل الى نحو 9 آلاف صوت، وقد ساعد إنتخابُ العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في ارتفاع حظوظه نتيجة تأييد شريحة لا بأس بها من المسيحيين لرئيس الجمهورية، كما أنّ بابَ الخدمات الذي فُتح له سيزيد من قوته الإنتخابية، فيما عدم تلبيته الخدمات التي تُطلب منه نتيجة شعوره بأنه مرتاح سيؤثر سلباً عليه وقد يُسقطه، في ظلّ عدم لمس البترونيين تغييراً جوهرياً في خطابه المؤيّد لـ»حزب الله».

• النائب بطرس حرب: يقدّر حجم الكتلة الناخبة الموالية له بنحو 6 آلاف صوت تفضيلي، وترتفع إذا كان النظام أكثرياً لأنه قادر على أخذ أصوات من كل الأحزاب.

يحافظ حرب على وضعيّته البترونية على رغم خسارته حليفَيه «القوات» وتيار «المستقبل»، وينطلق بزخم من بلدته تنورين رغم كل الحرمان الذي تعانيه على الصعيد الإنمائي، وقد يكون عدم وجود مرشح جدّي من تنورين على اللوائح المنافسة أراحه، في حين لم تظهر بعد تداعيات الخلاف الناشب بينه وبين رئيس بلدية تنورين المهندس بهاء حرب وهل سيؤدّي الى تطيير البلدية أو إبقاء «الستاتيكو» القائم؟ وكيف سينعكس داخل العائلة في الإنتخابات المقبلة، وما إذا كان الوضعُ قابلاً للتطبيع؟.

وللمفارقة أنّ رئيس بلدية تنورين ورئيس مجلس إدارة مستشفى تنورين الدكتور وليد حرب هما على خلاف حالياً مع النائب بطرس حرب، والإثنان من عائلته، علماً أنّ المستشفى والبلدية تُعدّان من أكبر أبواب الخدمات في المنطقة.

• «القوات اللبنانية»: وصلت سابقاً الى عصرها الذهبي في البترون، لكنها بدأت تتراجع، إذ إنّ إستبدالَ منسّق المنطقة السابق شفيق نعمة بالمنسق الحالي عصام خوري، ومرشّحها الى الإنتخابات النائب أنطوان زهرا، بالمرشح فادي سعد انعكس سلباً على حدّ وصف شريحة كبيرة من القواتيين.
وتعاني «القوات» في البترون من إنقساماتٍ داخلية حادّة، فتراجعت قوّتها التجييرية الى نحو 5000 صوت، فالمنسّقية تعيش خلافات مع بعض الأقسام في البلدات الكبيرة، ولعلّ أبرزها مع قسم تنورين، تلك البلدة التي تشكّل أكبر كتلة إنتخابية في البترون وتقدّر بنحو 14 ألف ناخب، ولم تبادر المنسّقيّة الى حلّ الإشكالات الطارئة، بل زادت من إشتعالها، وسط إنقطاع الإتصال بين شباب تنورين والمنسّق الجديد منذ أكثر من سنة، في حين يستغرب البعض كيف يمكن لمرشّح «القوّات» الفوز في وقت لم تلتفت القيادة الحزبية الى أكبر بلدة في القضاء، ولم تعالج الأسباب التي أدّت الى إستياء «قوات» تنورين وبلدات أخرى.

• «الكتائب اللبنانية»: تعتبر عودة النائب سامر سعادة الى الترشح في البترون وإحجام زهرا عن الترشح، وهو الذي كان قادراً على جمع العصب الكتائبي و«القواتي» في منطقة الوسط، بمثابة إعطاء دفع للكتائب التي كان رئيسُها الراحل الوزير جورج سعادة من أبرز رموز المرحلة الماضية.

ويقدَّر «البلوك» الكتائبي بنحو 3 آلاف صوت، ويُعتبر أكبر وجود كتائبي في الشمال. ويراهن سعادة على جمع الكتائبيّين مجدداً وتأمين الحاصل الإنتخابي للائحة المجتمع المدني التي ينوي الحزب تشكيلها في الأقضية لإحداث خرق بتروني، على إعتبار أنّ المرشحين في بقية الأقضية ليسوا أقوياء. إلا أنّ سعادة ينفي تبلور لائحة محددة حتى الساعة.

• تيار «المردة»: رغم أنّ وجود «المردة» في ساحل البترون كان تاريخياً، لكن، ومنذ العام 2005، التحق القسم الأكبر من مناصريه بـ»التيار الوطني الحرّ»، وتصعب عودتهم الآن الى صفوفه. فعلى سبيل المثال، لم يعد معظم الكتائبيين الذين أصبحوا «قوات» الى حزبهم السابق، كما أنّ باسيل هو إبن البترون ويُمسك بمفتاح الخدمات. ويقدَّر حجم القوّة التجييرية لـ»المردة» بنحو 1500 صوت، ويُستبعد أن يكون له مرشح.

• تيار «المستقبل»: يعتمد بمقدار كبير على القرى السنّية البترونية وأبرزها رأس نحاش، اضافة الى المناصرين المسيحيين، وقد شكّل نشاط منسّقه في البترون جورج بكاسيني عاملاً قوياً في فوز النائب حرب في بلدية تنورين الحالية، حيث تحالف «المستقبل» مع حرب آنذاك، قبل أن تتبدّل التحالفات، وينطلق «المستقبل» من نحو 2000 صوت في منطقة البترون.

إلى ذلك، تضمّ البترون نحو 1500 صوت يتوزّعون بين «الأحرار» و«الكتلة الوطنية» و«اليسار الديموقراطي» و»الشيوعي» و»القومي».

الرأي العام

أمام كل هذه التقديرات الرقمية، هناك كتلة كبيرة في البترون لا يُستهان بها تشكّل الرأيَ العام الذي يتحرّك حسب عوامل عدة ويقدر بما يزيد عن 5 آلاف صوت، فهو أعطى أصواته الى باسيل ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية عام 2005 نتيجة «تسونامي» الذي أحدثته عودة عون. وهو نفسه كان عاملاً أساسياً في فوز لائحة حرب وزهرا في انتخابات 2009 نتيجة الخطاب السيادي والنزاع بين قوى «8 و14 آذار».

وهذا الرأي العام قد يتأثر بعوامل عدة منها الخطاب المتطرّف المسيحي وقوة العهد، وعامل الخدمات، إضافة الى أنّ غياب قوى «14 اذار» الموحّدة ساهم في ضياع البعض.

السيناريوهات

اما العوامل التي قد تساهم في إسقاط باسيل، فهي، في رأي البعض، عدم قدرة لائحته على تحقيق الحاصل الانتخابي الذي يقدَّر بـ12 ألف صوت على اعتبار أنه سيقترع في دائرة الشمال المسيحية نحو 120 الف مقترع مقسّمين على 10 مقاعد، وهذا الامر مستبعَد خصوصاً إذا تحالف باسيل مع تيار «المستقبل»، وهو الاحتمال الغالب إضافة الى الحزب السوري القومي الاجتماعي.

لكنّ خوض معركة جدّية ضدّ باسيل الذي يقدَّر حجم أصواته التفضيلية بنحو 9 آلاف صوت، يحتاج إلى أن يجتمع حزبا «القوات» و»الكتائب» على دعم مرشح واحد، إمّا سعادة، أو إعادة ترشيح زهرا لشدّ العصب «القواتي»، عندها سيبلغ عددُ الأصوات الذي سيحصل عليه أيّ منهما التسعة آلاف بسبب خلق جوّ من العصب اليميني في البترون، في مقابل دعم تيار «المردة» و»اليسار الديموقراطي» وأحزاب «الاحرار» و»الشيوعي» و«المستقبل» النائب بطرس حرب، عندها سيرتفع معدّل أصوات حرب التفضيلية، في مقابل شدّ الرأي العام البتروني الى جانب هؤلاء المرشحين بدلاً من باسيل.

تبدو كل هذه السيناريوهات غير قابلة للتحقيق حالياً، خصوصاً أنّ تيار «المستقبل» سيمنح أصواته التفضيلية الى باسيل نتيجة استمرار التسوية الرئاسية، ما يرفع معدّله الى 11 الف صوت عندها يصبح من شبه المستحيل إسقاطه، كما أنّ جمع «القوات» والكتائب بات من سابع المستحيلات إذ إنّ الخلاف بلغ الذروة وتظهَّر ذلك في قداس «شهداء المقاومة اللبنانية»، كما أنّ زهرا لن يعود عن قراره بعدم الترشح.

وفي وقت ترفض «القوات» التضحية بمقعد البترون، تعتبر الكتائب أنّ هذا المقعد من حقها وهو المقعد التاريخي لجورج سعادة وتعتزم تشكيل لوائح مع المجتمع المدني في كل لبنان.

أما على خط «المردة»، فإنّ فتح باب الخدمات تارةً للنائب حرب وطوراً لـ«القوات» يؤدّي الى ضياع مفعول تلك الخدمات، ويجعل المعركة بين حرب و«القوات» و«الكتائب» على المقعد الثاني، في حين أنّ الخدمات التي يؤمّنها العهد، وغياب الخطاب السيادي، وتفرُّق خصوم باسيل كلّها عوامل تجعله يفوز بالمقعد، فيما تتنافس بقية القوى على أن تحصد المقعد الثاني.