Site icon IMLebanon

تباعد التيارمع الحلفاء القدامى والجدد يتفاقم

لم تكن في الماضي القريب العلاقات بين مختلف أطياف ومُكوّنات قوى «8 و14 آذار» السابقة سمنًا على عسل، لكنّ الخلافات كانت مضبوطة تحت سقف التموضع السياسي العريض. أمّا اليوم وبعد تغيّر خريطة التحالفات والتموضعات السياسيّة، بالتزامن مع إقتراب موعد إجراء الإنتخابات النيابيّة، فإنّنا نشهد تقاربًا بين قوى كانت بالأمس في موقعين مُتناقضين، وتباعدًا بين قوى أخرى كانت بالأمس في خندق واحد. ولا شك أنّ معارك الأحجام والحُصّص والتحالفات الإنتخابيّة هي وراء الكثير من حركتي التقارب والتباعد اللتين نشهدهما بوتيرة سريعة، تبعًا لحركة أسهم بورصة المعركة الإنتخابيّة – إذا جاز التعبير. ولعلّ «التيار الوطني الحُرّ» هو الطرف الأبرز الذي تشهد علاقته تباعدًا مُتفاقمًا مع الحلفاء والخُصوم على حدّ سواء، بسبب المصالح الإنتخابيّة المُتضاربة.

وفي هذا السياق، لفتت مصادر سياسيّة مُطلعة إلى أنّ العلاقة الوطيدة بين «التيّار الوطني الحُر» و«حزب الله»، والتي تعود إلى تاريخ توقيع «وثيقة التفاهم» بين الطرفين في 6 شباط 2006، تشهد حاليًا برودة كبيرة ليس على مُستوى التحالف السياسي الإستراتيجي العريض الذي لم يتأثّر على الإطلاق، وإنّما على مُستوى كل من النظرة إلى الملفّ الإنتخابي بشكل عام، وأسلوب التعاطي مع مُحاولات إقرار قانون جديد، والتموضعات والتحالفات الإنتخابيّة. وأوضحت المصادر نفسها أنّ «حزب الله» يتعاطى مع الملفّ الإنتخابي ومع مُحاولات التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد، من مصلحة تقضي بفوز القوى المُنضوية بالخط السياسي الذي يُمثّله بالأغلبيّة العدديّة في المجلس النيابي المُقبل، مع تمسّكه بقوّة ببعض «الحلفاء» من كل الطوائف لمنع إخراجهم من المُعادلة السياسية في أي قانون مُقبل، وحتى مع حرصه على عدم إضعاف بعض الخُصوم السياسيّين له من مُنطلق الحفاظ على التوازنات اللبنانيّة الداخليّة الدقيقة من الناحيتين السياسيّة والطائفيّة.

وأضافت المصادر نفسها أنّ «التيار الوطني الحُرّ» يتعاطى في المُقابل مع الملفّ الإنتخابي من رُؤية مُختلفة تمامًا، تحرص على إعادة القيمة لصوت الناخب المسيحي، وعلى إستعادة قُدرة المسيحيّين على إنتخاب نوّابهم من دون مِنّة من أحد، بغضّ النظر عن وجود هذه الشخصيّة أو تلك في المُعادلة السياسيّة. وتابعت المصادر نفسها أنّ هذا الإختلاف بالرؤية، جعل كلا من «التيار الوطني» و«الحزب» في موقعين مُختلفين من الملف الإنتخابي، في ظلّ إمتعاض «الحزب» من عدم تدخّل رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بشكل مُباشر لدى رئيس «التيار» وزير الخارجية جبران باسيل لحمله على تليين مواقفه، في مُقابل إمتعاض الرئيس من عدم تدخّل «الحزب» لدى حلفائه لتخفيف حدّة التهجّمات على طروحات الوزير باسيل الإنتخابيّة ولعدم مُعارضتها بهذا الشكل الشرس أيضا.

وشدّدت المصادر السياسيّة المُطلعة على أنّ ما زاد الطين بلّة هو الخلافات المُتزايدة بين الكثير من حلفاء «حزب الله» الآخرين مع «التيار الوطني الحُرّ»، حيث تفاقمت السلبيّات بين «التيار» وحركة «أمل» ليس بسبب تفاوت الإقتراحات النيابيّة فحسب، وإنّما بسبب تلميح بعبدا بإجراءات دستوريّة من شأنها أن تُكبّل قدرات «عين التينة» السياسيّة. كما تفاقمت السلبيات بين «التيّار الوطني» و»تيّار المردة» ليس بسبب إرتدادات ملفّ إنتخابات رئاسة الجُمهوريّة فحسب، وإنّما بسبب إتهام «المردة» الوزير باسيل بتحضير قوانين إنتخابية تهدف إلى إلغاء «المردة»، لغايات مُرتبطة بالزعامة في منطقة الشمال، وبمعركة رئاسة الجمهوريّة المُقبلة.

وأكّدت المصادر السياسيّة نفسها أنّ علاقة «التيّار الوطني» مع الشخصيّات الدرزيّة المحسوبة على قوى «8 آذار» ليست أفضل حالاً، بسبب مآخذ هؤلاء على مُطالبة الوزير باسيل بأن يكون رئيس مجلس الشيوخ من الطائفة المسيحيّة تحقيقًا للتوازن الوطني على مُستوى مراكز الرئاسات الأربع، في حال إستحداث مجلس للشيوخ، وكذلك بسبب رفض هؤلاء لقوانين إنتخابيّة تُخسّرهم الدعم الشعبي من طوائف ومذاهب أخرى مُؤيّدة للخط السياسي العريض نفسه.

وبالنسبة إلى علاقات «التيار الوطني الحُرّ» مع الحليف الجديد، أي حزب «القوات اللبنانيّة»، رأت المَصادر السياسيّة المُطلعة نفسها، أنّه وعلى الرغم من إتفاق الطرفين الحازم برفض العودة إلى الوراء وتحديدًا إلى زمن إنقسام القوى المسيحيّة واستضعافها، فإنّ الخلافات بين الطرفين آخذت بالتراكم نتيجة زكزكات إنتخابيّة مُرتبطة بالأحجام والحُصص لكل من الطرفين، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، ترشيح إيدي معلوف للمقعد الكاثوليكي في المتن من قبل «التيّار»، وقبله ترشيح فادي سعد لأحد المقعدين المارونيّين في البترون من قبل «القوّات». وأضافت أنّ هذه الزكزكات الإنتخابية تعود أيضًا إلى مُقاربة مُختلفة بينهما بالنسبة إلى أنجع السُبل لتأمين مُوافقة الآخرين على قانون إنتخابي جديد يكون أفضل من القوانين السابقة على مُستوى التمثيل المسيحي. وأضافت المصادر أنّ «القوّات» تأخذ على «التيار» عدم تفهّمه لمسألة مُهمّة تتمثّل في كونها خسرت الكثير من القوى الحليفة داخل القوى المسيحيّة الحزبيّة والمناطقيّة بسبب تحالفها مع «التيار الوطني»، بينما هذا الأخير لم يكن يحظى بدعم أيّ من هؤلاء في الإنتخابات السابقة، ولم يخسر سوى دعم «تيّار المردة» من الحلفاء السابقين على الساحة المسيحيّة، ما يستوجب من «التيار الوطني» أخذ هذا الواقع في الإعتبار، إن على مُستوى طبيعة قانون الإنتخابات المُقبل أو على مُستوى طبيعة التحالفات الإنتخابيّة المُرتقبة.

وتابعت المصادر السياسيّة عينها أنّ عدم حسم القانون الإنتخابي الجديد حتى تاريخه، أسفر عن ترك باب التحالفات مفتوحًا بين مُختلف القوى السياسيّة، الأمر الذي أضعف عامل الثقة بين أكثر من طرف سياسي يُفترض أن يكون في خانة «الحلفاء»، وهو ما إنعكس أيضًا وبطبيعة الحال على علاقة «التيار الوطني الحُرّ» مع حلفائه القُدامى والجُدد، في ظلّ خشية من جانب أكثر من طرف من هؤلاء، أن تأتي الصيغة النهائيّة لأي قانون إنتخابي جديد على حسابها.

وختمت المصادر نفسها كلامها بالإشارة إلى أنّ التباينات والخلافات تكون عادة موجودة ضمن الصفّ الواحد عند أي إستحقاق إنتخابي حتى عندما يكون قانون الإنتخاب واضح المعالم، وبالتالي من الطبيعي أنّ تكون هذه التباينات والخلافات ظاهرة إلى هذه الدرجة بين «التيار الوطني الحُرّ» والقوى «الحليفة»، بسبب الضبابيّة التي تُحيط بالصيغة النهائية للقانون الإنتخابي ولتحالفاته المُفترضة من جهة، وكذلك بسبب تضارب في مصالح القوى السياسيّة المعنيّة من جهة أخرى.