في هذه اللحظات الحرجة من احتدام الصراع في منطقتنا وعليها، نجد أنفسنا أمام مسؤولية مسيحية ولبنانية وعربية، وبالأخص أخلاقية، لتحديد خياراتنا ومواكبة الأحداث بعين الأمل.
ينقسم المسيحيون اللبنانيون اليوم بين فريقين:
1- فريقٌ يعتبر المسيحيين أقلّية بحاجة إلى حماية داخلية أو خارجية، ويحاول اقناع نفسه والآخرين بأن الضمانة هي في “تحالف الأقليات الدينية” في مواجهة الغالبية العربية السنّية.
لهذا الفكر جذوره في تاريخ لبنان المعاصر، ولم يولد كما يظنّ البعض مع ولادة التيار العوني، إذ سبق حتى دخول الرئيس ميشال عون إلى المسرح السياسي بعقود.
فقد عبّر عن نفسه (هذا الفكر) في رفضه أطروحة الكنيسة المارونية في العام 1919 المطالبة بدولة لبنان الكبير وفضّل، أو البقاء مع سوريا أو السعي لبناء وطن قومي مسيحي. كما اعتبر المدّ الناصري مدّاً عربياً سنياً قد يشكّل خطراً على مكتسبات المسيحيين في لبنان.
وأخيراً، عبّر هذا الفكر عن رفضه اتفاق الطائف (1989) باعتباره أنزل المسيحيين مرتبةً في السلطة.
2 – فريقٌ ثانٍ قد لا يوافق الفريق الأول إنما يلتزم الصمت حتى حدود الحياد، في انتظار ما سوف تؤول إليه الأمور في المنطقة للتكيّف معها.
لا يواجه الفريق الأول لأسبابٍ عدّة منها:
أ- خشيته من المواجهة بسبب تعاطف بعض مؤيّديه مع مخاوف الفريق الأول في ما يتعلّق بـ”الهاجس الاسلامي”.
ب- خشيته من العودة إلى الانقسام المسيحي – المسيحي وخسارة جزء من الرأي العام الذي يعتبر أن وحدة المسيحيين قوّة.
ج- الخوف من تقلّبات المنطقة الرجراجة.
أعتقد وبشدّة أن المسار العام للمسيحيين اللبنانيين قد انحرف بدءاً من العام 2005 عن مسار “الشرعية التاريخية” في الوسط المسيحي، الذي كانت له الريادة في التأسيس للكيان اللبناني المعاصر ولتجربة العيش المشترك الفذّة في مجتمع شديد التنوع دينياً وثقافياً.
إن الكنيسة والأحزاب والنخب والجامعات والمرجعيات مدعوّة إلى التفكير.
سنطلق المؤتمر الأول لمسيحيي العالم العربي في تشرين الأول، إنها مناسبة جدّية لطرح هذه التساؤلات والمخاوف من أجل إيجاد حلولٍ لمعالجتها ونحن على عتبة مئوية دولة لبنان الكبير.