Site icon IMLebanon

تقسيم سورية خطة بديلة دائمة

 

 

أن تعلن روسيا، التي باتت تملك اليد العليا في سورية، أنها لا تضمن بقاء البلد موحداً، فهذا يثير إشارات استفهام كثيرة عن حقيقة الأوضاع وتطوراتها في سورية، بخاصة أن التحذير الروسي الذي ورد على لسان نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، جاء بعد الضربة الثلاثية ضد نظام الأسد مباشرة. فهل يعني ذلك أن روسيا بدأت تقرأ التطورات في سورية من زاوية تجربتها الأفغانية؟ وهل رأت في التحالف الثلاثي، الأميركي- الفرنسي- البريطاني، مقدمة ونواة لتحالف أعرض سيضع روسيا في عين الإستهداف، وبالتالي فمن الأفضل إشهار ورقة التقسيم في وجه الجميع وإرباكهم.

 

 

وتعمل روسيا، في سورية، وفق صيغتي، التقاسم والتقسيم، فمن جهة تقاسمت مع إيران وتركيا مناطق النفوذ في عملية واضحة لا لبس فيها، بحيث توزعت الجغرافية السورية حسب حاجة البلدان الثلاثة، بما يراعي المشاريع الجيوسياسية لكل منها، فالغرب السوري مصلحة روسية نظراً لوجود الموانئ المتوسطية، والوسط من حصة إيران التي ترغب في توسيع هامش مساحة حلفائها شرق لبنان والسيطرة على المقامات في دمشق وجنوبها، والشمال لتركيا لحماية أكرادها من عدوى التمرد القادم من الجنوب.

 

غير أن من شأن المراقب ملاحظة أن روسيا لم تضف شحطة قلم على الخريطة «الخطة»، التي أطلق عليها الإستراتيجيون، تسمية «الدولة العلوية»، وفي تسمية أخرى «سورية المفيدة» وهو المشروع الاحتياطي لنظام الأسد وحليفته إيران، في لحظات الضعف التي مروا بها، واقتربوا من تطبيقه، وحتى الإعلان عنه بشكل صريح، يوم أعلن بشار الأسد أن قواته مضطرة للتخلي عن مناطق بعيدة ونائية لحماية مناطق ذات أهمية أكبر، كان ذلك قبل أن يطير قاسم سليماني لطلب نجدة بوتين، وقبل أن يتسلّل هذا الأخير بأسلوب قرصاني على السفينة السورية المترنحة. وبناء على هذه التطورات، خرجت إيران من وضعيتها القلقة والتراجعية في سورية، إلى وضع مريح، تستطيع من خلاله استدراك إضافة تفاصيل جديدة ليتحول تدخلها لاستقطاع جغرافية محدّدة من سورية، إلى مشروع جيوسياسي يهدف إلى السيطرة على الطرق البرية، في العراق وسورية، وتسعى للسيطرة على البادية الشامية حتى البوكمال، معبر طريقها من العراق، بديلاً عن التنف الذي سيطرت عليه القوات الأميركية.

 

اليوم، وبعد الغارة الثلاثية، تعود روسيا إلى الاستئناس بخطتها الأثيرة، القائمة على إجتزاء مساحات معينة من سورية، على قاعدة» ليس في الإمكان أفضل مما كان» واضعة مسؤولية هذا الامر على الأخرين، والظهور بمظهر من أراد الحفاظ على وحدة سورية لكن الحلف الأخر كانت له كلمة مختلفة، وبالطبع بتلميحها بقضية التقسيم تحاول روسيا إبتزاز الغرب، وخلق إنقسامات في تحالفه، على إعتبار أن تقسيم سورية سيشكل التطبيق الحرفي لنظرية» إنهيار قطع الدمينو»، وسيتحوّل التقسيم في سورية إلى دينامية تفكيكية تشتغل على مساحة الشرق الأوسط كله، ولا أحد من داخل المنطقة أو خارجها له في مصلحة في هذا الوضع.

 

شكّلت فكرة تقسيم سورية، خطة بديلة يضعها الروس والإيرانيون في جيوبهم، بعد أن يحجزوا لأنفسهم مواقع تتطابق مع مشاريعهم، وكما أدارت روسيا لعبة تقاسم النفوذ مع حلفائها وأصدقائها وخصومها في سورية، فليس لديها إشكالية في التكيّف مع واقع تقسيمي مع ثلاثة أو أربعة أطراف، غير أن أي سورية من السوريات الجديدة، لا تلك التي في السواحل أو البوادي أو المناطق الحدودية، ستكون قابلة للحياة، ذلك أن جغرافية الأقاليم السورية مصممة وفق «سايكس بيكو» على منطق الاعتمادية المتبادلة، وهي الصيغة التي لم يبتدع أحد أكثر منها ملاءمةً وقابلية للحياة.