يثبت يومًيا أن ذلك التصريح الذي أطلقه بشار الأسد وتحدث فيه عن «سوريا المفيدة» لم يكن لا مجرد زلة لسان ولا يقصد به شيًئا آخر٬ فما يجري على الأرض في هذه المنطقة التي أطلق عليها رئيس النظام السوري هذا الوصف أو هذا الاصطلاح٬ مع أنه بالتأكيد ليس صاحبه٬ يدل على أَّن مؤامرة تقسيم هذه الدولة٬ التي هي درة تاج الدول العربية٬ التي تتكئ على محاولة قديمة تعود إلى زمن الاحتلال (الانتداب) الفرنسي٬ جدية٬ وهي موضوعة الآن على نار حامية٬ بل إن هناك من يذهب بعيًدا ويقول: إن عملية العد العكسي لإتمام هذه المؤامرة قد قطعت شوًطا طويلاً٬ وإنها قد تنتهي بعد استكمال بعض «الرتوش» في فترة مقبلة قريبة!!
ولعل الأخطر والأكثر وضوًحا في هذا المجال هو أَّن رسم حدود هذه الـ«سوريا المفيدة» قد بدأ بعملية إخلاء سكان مدينتي داريا والمعضمية في دمشق٬ وفي هيئة احتلال استيطاني على غرار الاحتلال الاستيطاني في فلسطين.. في الضفة الغربية تحديًدا٬ وحيث تمت وعلى الفور تعبئة الفراغ٬ وعلى أساس مذهبي وطائفي بإيرانيين وأفغانيين شيعة٬ وهذا كان قد تم في منطقة باب توما المسيحية التي كان هجرها غالبية سكانها الذين صَّدقوا كذبة أَّن الأقليات الدينية والقومية في سوريا غدت مهددة بوجودها٬ وبالطبع فإن المقصود كان ولا يزال هو الأقلية المسيحية والأقلية العلوية والأقلية الإسماعيلية والأقلية الدرزية٬ وأيًضا الأقلية القليلة من الشراكسة والشيشان٬ ومع هؤلاء جميًعا أكراد ركن الدين في دمشق الشام٬ وهؤلاء هم الذين كانوا قد أصبحوا جزًءا من «التركيبة» العربية منذ عهد صلاح الدين الأيوبي٬ وحتى الآن٬ وتبوأ عدد منهم مناصب عليا في الدولة السورية من بينهم بعض رؤساء الدولة ورؤساء الوزارات وقادة القوات المسلحة والحكام الإداريين والأجهزة الأمنية.. بل وقادة حزب البعث العربي الاشتراكي..
ورئيس الوزراء الأسبق الشخصية الشامية المرموقة محمود الأيوبي أحد هؤلاء.
كان الروس عندما بدأوا تدخلهم في هذه الدولة٬ التي كانت أول دولة عربية اجترحت استقلالها من بين كل الدول العربية التي استعمرها الفرنسيون وغيرهم٬ قد أعلنوا بعد إقامة وإنشاء قاعدة «حميميم» أن وجودهم مؤقت٬ لكن ها هو هذا الوجود الذي شمل كل مناطق: «سوريا المفيدة» وفوقها أجزاء من حلب قد اقترب من نهاية عامه الأول٬ والسبب هو أنهم كانوا قد أخطأوا في تقدير الفترة التي تتطلبها عملية التقسيم وإقامة هذه الدولة المفيدة التي كان أشار إليها بشار الأسد في لحظة انفلات لسان أو لحظة:
«جس نبض»٬ واكتشفوا أَّن الشعب السوري لم ولن يستسلم٬ وأنه مصمم على المواجهة حتى بلحم وأجساد أطفاله وحتى إْن لم يبق حجٌر على حجٍر حتى في دمشق نفسها.. العاصمة الأموية.
وبالطبع فإَّن حماس الإيرانيين قد تجاوز حماس الروس٬ بعدما غدا لهم ستون ألًفا من القوات النظامية٬ وهذا غير الميليشيات الطائفية وحراس الثورة في «القطر العربي السوري»٬ حسب أدبيات وتعبيرات حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أصبح ما تبقى منه مجرد شهود زور على اغتصاب العاصمة التي قال فيها شاعره بعد الثامن من مارس (آذار) عام 1963:
من قاسيون أطل يا وطني
فأرى دمشق تعانق السحب
آذار يدرج في مرابعها
والبعث ينثر فوقها الشهب!
الآن ينهمك الإيرانيون في استكمال احتلالهم الاستيطاني الطائفي لسوريا٬ قلب العروبة النابض٬ بعد احتلالهم العراق واحتلالهم ضاحية بيروت الجنوبية وجزًءا آخر من لبنان٬ ولعل ما يوجع القلب فعلاً أن بعض العرب يرون كل هذا ويعرفونه٬ لكنهم بدل أن يطلقوا ولو مجرد صيحة احتجاج واحدة يضعون أكف أيديهم فوق عيونهم ويضعون أصابعهم في أعماق آذانهم حتى لا يروا ولا يسمعوا شيًئا٬ وهنا فإنه على هؤلاء أْن يدركوا أَّن «يأجوج ومأجوج» قادمان إليهم لا محالة إْن استطاع المتآمرون واستطاعت المؤامرة تحطيم مقاومة الشعب السوري.. لكن ثقتنا با䑬 جَّل شأنه أولاً وبهذا الشعب العظيم ثانًيا تجعلنا على ثقة راسخة بأن هذا لن يحصل إطلاًقا.. وأنه سيخسأ الخاسئون لا
محالة.
لكن وعلى افتراض أن هناك لحظة مريضة في التاريخ العربي قادمة لا محالة٬ وأن الغلبة٬ وإْن مؤقًتا٬ ستكون للمتآمرين روًسا وعجًما وعرًبا٬ وأنه سيتم تقسيم هذه الدولة العربية وفًقا لـ«خريطة» «سوريا المفيدة» التي تحدث عنها وبشر بها بشار الأسد٬ فإن هذا يعني أن قنبلة انشطارية كبيرة ستضرب كثيًرا من دول هذه المنطقة٬ وأن ارتدادات مثل هذا الانقسام الذي بات البعض يتحدث عنه بكل جدية ستصل بالتأكيد إلى تركيا وبالطبع إلى روسيا التي قد لا تبقى «اتحادية»٬ وأيًضا إلى إيران التي هي على رأس هذه القائمة والتي تعاني الآن وكانت قد عانت سابًقا٬ وهي ستعاني لاحًقا بالتأكيد من هذه الأوجاع التي بات يعاني منها الشعب السوري وتعاني منها بالتالي شعوب الأمة العربية, وبعض دولها.
إنه على أشقائنا و«إخواننا» الأتراك أن يدركوا أنه إذا نجحت المؤامرة٬ وتمت إقامة الدول الانقسامية في «سوريا المفيدة» التي سيكون قلبها المنطقة العلوية المحمية بقاعدة حميميم» الروسية في اللاذقية٬ فإن الدور قادم إليهم لا محالة٬ وأَّن الهدف الأول سيكون إقليم هاتاي٬ أو لواء الإسكندرون٬ الذي يعتبر امتداًدا سكانًيا وجغرافًيا لجبال النصيريين.. وعندها إذا حصل هذا لا سمح الله.. نعم «لا سمح الله» فإن العدوى ستصل إلى باقي الأقليات المذهبية والدينية٬ وأيًضا إلى المجموعات القومية في تركيا٬ وهذا يجب أن يكون دونه «جز الحلاقيم».
ثم وإنه على فلاديمير بوتين أن يعرف أن هناك مثلاً عربًيا يقول: «إن من بيته من زجاج فعليه ألا يضرب الآخرين بالحجارة»٬ وأن عدوى التشظي ستصل إلى غروزني في الشيشان وإلى داغستان وإلى كل مناطق القوقاز وإلى جزيرة القرم أيًضا إْن نجحت مؤامرة تقسيم سوريا٬ وأن هذا التشظي سيتعمق في العراق٬ وسيتعزز في لبنان٬ وسيصل حتًما إلى إيران٬ وأن المنطقة الشرق أوسطية كلها سيختلط حابلها بنابلها٬ وأّن هذا قد يشمل إسرائيل أيًضا التي بات التباعد بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين فيها واضًحا٬ بل وهو يتجسد بأشكال «عنصرية» وثقافية غدت ملموسة وكمعروفة ولا يمكن إنكارها!!
وهكذا وفي النهاية فإن إيران ربما تحقق بعض الاختراقات «التكتيكية» الآنية في هذه اللحظة التاريخية المريضة٬ إْن في العراق وإْن في سوريا وإْن في دوٍل عربية أخرى كما هو واقع الحال الآن٬ لكن٬ على أن ما يجب أن يدركه «الولي الفقيه» أن كل البيت الإيراني من زجاج٬ وأن هذا الذي يحدث في بعض دول هذه المنطقة سيكون بمثابة مْزحة صغيرة» إزاء ما ينتظر بلاده ذات التركيبة الفسيفسائية التي باتت تواجه ثورات مسلحة بدأها الأكراد والعرب مؤخًرا بالفعل٬ وهنا فإن المؤكد أن هذه العدوى ستنتقل إلى البلوش والأذاريين.. وأيًضا إلى المعارضة الإيرانية الجدية التي يمثلها ويقودها: «مجاهدين خلق