Site icon IMLebanon

المهمّ من يمسك بالدولار

 

كان الخطاب الأخير لحسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله» في لبنان خطاب كلّ الكلام الذي لا علاقة له بالواقع. كان خطابا يحاول فيه اقناع اللبنانيين والسوريين والعراقيين… والإيرانيين انفسهم بانّ «الجمهورية الإسلامية» قوّة إقليمية تستطيع متابعة مشروعها التوسّعي بغض النظر عن تصفية قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري».

 

ما لم يستوعبه نصرالله ان اغتيال سليماني، الذي كان يرافقه أبو مهدي المهندس نائب رئيس «الحشد الشعبي» في العراق قرب مطار بغداد، كشف ايران. هل من نظام متخلّف اكثر من نظام يسقط فيه «الحرس الثوري» الايراني طائرة ركاب اوكرانية أقلعت من مطار طهران بعدما اعتبرها صاروخ «كروز»؟ الا يستحق ركاب الطائرة ضحايا الصاروخ الايراني تعزية من نصرالله، علما ان معظم هؤلاء الركاب مواطنين إيرانيين او من اصل إيراني؟

 

لنفترض انّ الايرانيين نزلوا الى الشارع بالملايين لتشييع الجنرال سليماني وان ذلك «ارعب» دونالد ترامب ولكن ماذا عن الطلاب والمواطنين الايرانيين العاديين الذين نزلوا الى شوارع طهران ومدن اخرى وهم يحرقون صورا لقائد «فيلق القدس» الذي انتهى منه الاميركيون ويطلقون صيحة «الموت للديكتاتور»، أي لـ»المرشد» علي خامنئي. الأكيد ان هناك جديدا في الداخل الايراني حيث بدأ الناس العاديون يشعرون ان النظام القائم دخل مرحلة جديدة لا تبشّر بالخير بالنسبة الى مستقبله.

 

في الواقع، ليس لدى الأمين العام لـ»حزب الله» ما يقدّمه لا للبنانيين ولا للسوريين ولا للعراقيين ولا لليمنيين الذين يتذكّرهم بين حين وآخر. ما يعد به من ردّ على الولايات المتحدة يبقى كلاما كبيرا لا ترجمة له على ارض الواقع نظرا الى ان اللبنانيين منشغلون بلبنان والسوريين بسوريا والعراقيين بالعراق واليمنيين باليمن… والإيرانيين بايران.

 

بالنسبة الى اللبنانيين، لا يمرّ كلام الأمين العام لـ»حزب الله» سوى على قسم من أنصاره الذين سقطوا في فخّ التعصّب الاعمى والولاء للوليّ الفقيه. يمكن للكلام نفسه ان يلقى من يصدّقه ويصفّق له بين انصار «التيّار الوطني الحر» الذي يترأسه جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية. ليس مستغربا ان يصدّق هؤلاء كلام نصرالله ما داموا يحتفلون سنويا بذكرى استيلاء الجيش السوري على قصر بعبدا ووزارة الدفاع في الثالث عشر من تشرين الاوّل – أكتوبر 1990، أي بهزيمة لبنان.

 

امّا اللبناني العادي، من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية، فهو في مكان آخر. هذا اللبناني الذي يمتلك حدّا ادنى من العقل والمنطق يفكّر بما حلّ بامواله المودعة في المصارف اللبنانية. هناك مليون ونصف مليون حساب في هذه المصارف وهناك هبوط حاد لسعر صرف الليرة اللبنانية. هناك الكلام الصادر عن رياض سلامة حاكم البنك المركزي (مصرف لبنان) عن ان في استطاعة المصارف إعادة الاموال المودعة بالدولار، ولكن بالليرة اللبنانية. لم يوضّح رياض سلامة كلامه بما يكفي. ما يجري سرقة موصوفة لمدخرات الناس من فقراء واغنياء ومتوسطي الحال. هذا هو السؤال الذي يشغل بال اللبنانيين، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية الذين يشكلون ثلث المودعين. الأكيد ان هؤلاء، بمن في ذلك معظم الشيعة، لا يهمّهم الانتقام لسليماني او المهندس. ولا يهمّهم ما اذا كان الرئيس دونالد ترامب «اكبر كذّاب» ام لا. ماذا ينفع كلّ هذا الكلام عن ترامب في حال استمرّت الولايات المتحدة في عقوباتها على ايران وبالتالي على ادواتها مثل «حزب الله»، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية على المصارف اللبنانية واموال اللبنانيين؟

 

الى اين يريد «حزب الله» اخذ لبنان بكل طوائفه ومذاهبه؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال في غياب القدرة على ان يكون الرجل على تماس مع الواقع. هذا الواقع يقول ان السوريين، مثل اللبنانيين، يفكرون بسعر الدولار بعدما تجاوز سعره الالف ليرة سورية. انّهم يعرفون تماما انّ هناك نظاما جاء بالايراني وبـ»حزب الله» وبغيره من الميليشيات المذهبية كي يبقى بشّار الأسد في دمشق. انّهم يعرفون أيضا ان الروسي يريد الآن ان يكون القوّة ذات الكلمة الفصل في سوريا وذلك بالتفاهم مع إسرائيل.

 

العراق ايضا في مكان وحسن نصرالله في مكان آخر. همّ المسؤولين العراقيين، الكبار والصغار ليس الانتقام لقاسم سليماني او أبو مهدي المهندس. همّهم محصور في كيفية إعادة مدّ الجسور وفتح القنوات مع الولايات المتحدة وإدارة ترامب تحديدا. اكتشف المسؤولون العراقيون ان العقوبات الاميركية يمكن ان تطاولهم واحدا واحدا في حال فكروا في أي ضغط لحمل الولايات المتحدة على الانسحاب عسكريا من العراق. لديهم مثل حيّ على ذلك. هذا المثل هو ايران. من الطبيعي في بلد مثل العراق ينخر فيه الفساد كلّ افراد الطبقة الحاكمة ان يفكّر كلّ مسؤول في انقاذ جلده وليس في كيفية الردّ على اغتيال قاسم سليماني. ليست التحرّكات الأخيرة لعادل عبد المهدي سوى محاولة لاعادة تعويم نفسه عند الاميركيين. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير رحلته الأخيرة الى كردستان. نسي عبد المهدي امرا في غاية الاهمّية هو انّ هناك ثورة شعبية في العراق وانّه مرفوض شيعيا قبل ان يكون مرفوضا لدى الاكراد والسنّة العرب. ليس صدفة تجدّد الحراك الشعبي في العراق، في كربلاء تحديدا، في الوقت الذي كان قاسم سليماني يوارى الثرى في مسقط رأسه الايراني.

 

تبقى ايران نفسها التي بات شعبها يعرف ان النظام دخل مرحلة الافول، خصوصا بعدما تبيّن انّه عاجز عن الردّ على اغتيال قاسم سليماني من جهة واسقاط طائرة الركّاب الأوكرانية من جهة أخرى. السؤال لم يعد هل لدى ايران ما تردّ به على اميركا بعدما وجد النظام فيها انّه في مواجهة يوميّة مع شعبه؟ هناك نظام في مأزق لا اكثر. هذا النظام سقط عمليا عندما تبيّن انّه لا يستطيع مواجهة العقوبات الاميركية حتّى لو امتلك كلّ ميليشيات العالم.

 

في نهاية المطاف، تحتاج هذه الميليشيات الى تمويل. من اين تأتي لها «الجمهورية الإسلامية» بتمويل بوجود قاسم سليماني وبغيابه؟

 

دخلت المنطقة مرحلة جديدة لم يعد ينفع فيها كلّ الكلام القديم عن المقاومة والممانعة وكلّ ما شابه ذلك. ما ينفع هو تحديد من اين سيأتي الدولار. المشكلة انّه الى اشعار آخر، لا تزال اميركا تمسك بالدولار وتتحكّم به. يبدو ان إدارة دونالد ترامب تمسّك به جيدا. هل في لبنان وسوريا والعراق من يريد اخذ علم بذلك بدل ترديد كلام قديم؟ لا يصدّق هذا الكلام سوى السُذّج نظرا الى ان لاعلاقة له بما يدورعلى ارض الواقع في المنطقة والعالم…