خلال الأسبوعين الماضيين تراجع اليورو أمام الدولار الأميركي حوالى ٤ بالمئة حيث بلغ ١،٠٦. وتبدو التوقعات حول رفع أسعار الفوائد الأميركية محسومة، والنموّ الاقتصادي الأميركي خير برهان على ذلك.
التفسير الاقتصادي لما يجرى في سعر اليورو طبيعي لا سيما وأنّ الاموال تبحث عن عوائد اكبر. اضف الى ذلك أنّ البنك المركزي الاوروبي يُظهر دلائل قليلة على أيّ تحوّل محتمل في السياسة النقدية الاوروبية مع فوائد سلبية وبرنامج شراء سندات ضخمة وحركات شعبوية اقل ما يُقال فيها إنها قد تُحدث تحوّلاً جذرياً في السياسة الأوروبية وقد تدفع في حال نجاحها الى إحداث حالة جديدة شبيهة بالـ Brexit.
هذا وبعد انتخاب دونالد ترامب قال المحلّلون في Citigroup إنهم غيّروا توقعاتهم بنسبة ١٨٠ درجة ويتوقع البنك انخفاض اليورو الى ٩٨ سنتاً اميركياً خلال ستة الى ١٢ شهراً والتحقت بالبنك مصارف عدة تنبّأت بالتعادل هذا واختلاف سياسة الولايات المتحدة المالية والنقدية مع بقية العالم تعود بالنفع على الدولار ما يعني أنّ التعادل قد اصبح قريب المنال؛ وممّا لا شك فيه أنّ انخفاض اليورو يعود بالنفع على الاقتصاد الاوروبي ويجعل من صادرات اوروبا اكثر قدرة على المنافسة في الاسواق العالمية كما أنّ ذلك يشجع التضخم والعملية قد لا تكون جيدة بالمطلق للمستهلك الاوروبي الذي سوف يعاني من ارتفاع تكاليف الواردات المقوّمة بالدولار الاميركي واهمها النفط عدا واردات اخرى غيره كلها مقوّمة بالدولار.
هذا وكان المحللون يتوقعون تكافؤاً مبكراً إنما اسعار الفائدة الاميركية لم تتح بالسرعة التي توقعها الاقتصاديون. اما اليوم فالصورة متغيّرة كثيراً ومن المنتظر أن ترتفع اسعار الفوائد الاميركية الى ثلاث مرات في العام ٢٠١٧ بينما المركزي الاوروبي سوف يبقي على برنامج التسيير الكمّي وإن كان بنسبة أقل حتى نهاية العام ٢٠١٧ كما شهدت اوروبا لزلزال سياسي عندما فاجأ المستثمرون البريطانيون بالتصويت على الانسحاب من الاتحاد الاوروبي ما أحدث ترددات وحتى الآن لا يمكن التنبّؤ باهميّتها، اضف الى ذلك الاستفتاء الذي حصل في ايطاليا كذلك نجاح اليمين في فرنسا والمانيا وهولندا هذا ولا بدّ من الاشارة الى اهمية نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الاميركية والذي لعب دوراً كبيراً في تحويل المعادلة كونه وعد بخفض الضرائب ودعم مشاريع البنية التحتية وقد تخلق سياسته هذه بيئة تضخيمية ما سيدفع الفيديرالي الاميركي الى متابعة رفع اسعار الفوائد لمراقبة التضخّم وضبطه.
وللعلم إنّ انهيار اليورو يتسارع ومن الممكن وقد لا يكون ذلك مستبعداً مواجهة أزمة مالية أوروبية في مطلع العام ٢٠١٧ وقد انخفض اليورو الى مستويات عالية فوصل الى ١،٠٣٦٦ قبل أن يعاود الارتفاع قليلاً وقد يذهب الى قدم المساواة، وليس من المستبعد مطلقاً وفي النهاية أن يكون دون المساواة وقد يفرح الكثيرون لهذا الخبر انما الحقيقة قد يكون ارتفاع سعر الدولار نبأً عظيماً إنما في الواقع الامر يبدو عكس ذلك للعديد من دول العالم ولكثير من البضائع والتي تسعّر في الاسواق العالمية بالدولار الاميركي، وإذا ما تابع الدولار الاميركي تحسّنه هذا سنرى أعداداً مذهلة من التخلّف عن الدفع في كثير من انحاء العالم.
ومن الطبيعي مراقبة الاسابيع المقبلة لا سيما الازمة المتفاقمة في ايطاليا والتي وبموجب رويترز يمكن ان تؤدي الى ازمة مصرفية واسعة لا سيما وأنّ ثالث اكبر بنك في ايطاليا هو في خطر الانهيار الوشيك، وكذلك ان نبقى متيقظين لثامن اكبر اقتصاد في العالم ونحن بصدد مشاهدة انهيار النظام المصرفي بكامله وهذا اخطر بكثير من استمرار الركود الاقتصادي في اليونان.
وبالمطلق قد لا يكون عدد المهتمين بالازمة المالية العالمية المقبلة كبيراً في هذه الفترة لا سيما في الولايات المتحدة الاميركية وكون المؤشرات الاقتصادية جيدة واهمها مؤشر ثقة المستهلكين الذي تنشره جامعة ميشيغن والذي واصل اتجاهه التصاعدي ومؤشر بناء المنازل Home builders index والذي ارتفع في كانون الاول وغيرها من المؤشرات التي وبالمطلق تعطي فكرة عن ايام اقتصادية مشرقة غير أنّ ذلك قد لا يستمر الى الابد؛ لذلك قد تضرب الازمة المالية اوروبا اولاً وتلحقها اميركا في وقت لاحق.
والخطر الكبير ليس فقط على الاتحاد الاوروبي انما كذلك على اليورو الذي بات عملة مهدّدة في ظلّ عدم التناغم داخل الاتحاد وظهور الحركات الشعبية والتي لا تعترف بأوروبا كاتحاد وقد تطلب في أيّ وقت استفتاءً من اجل الانسحاب وعندما تبدأ هذه الامور فالذي سوف يحدث يبشر بانهيار كامل وليس لألمانيا في حال حدوث هذا أيّ خطة بديلة وقد يكون تكافؤ اليورو مع الدولار الاميركي أوّل تحذير.
ومن المتوقع ان تتسارع الامور لا سيما وأنّ خطة التسيير الكمي ما زالت سائرة في اوروبا مع فوائد سلبية ونسب نموٍّ طفيفة تجعله من الصعب استدراك الوضع للخروج من هذه الدوامة، وقد لا تكون اوروبا وحيدة في هذه الحلقة انما اليابان وهو من اكبر اقتصادات العالم يدور في الفلك الاقتصادي نفسه ولا شيء يبشر لغاية الآن بأيّ تغيير ممكن.
لذلك قد يكون التكافؤ قريباً جداً وحسب ادم سلاتر رئيس الخبراء الاقتصاديين في Oxford Economics فإنّ التعادل قد يحدث مع نهاية عام ٢٠١٧ بينما العديد من الاقتصاديين يرون أنّ التكافؤ قد يحدث في القريب العاجل لا سيما وأنّ تحرّكات سعر العملة يستند الى سياسات نقدية متباينة على جانب المحيط الاطلسي وفوائد عالية لا بدّ من أن تجتذب المستثمرين والرئيس ترامب يلعب دوراً كبيراً في تحويل المعادلة ويهيّئ في سياسته هذه الى وضعية تضخمية سوف تجبر الفيديرالي الاميركي الى الاستمرار في رفع اسعار الفوائد في محاولة منه لتقويض التضخم ما يعني علينا توقع المزيد من الارتفاعات في اسعار الفوائد في المستقبل القريب. هذا وحسب بعض الاستراتيجيين إنّ الفوز الذي حققه ترامب اوصل اليورو الى مستويات نادراً ما حققها في الفترات الاخيرة.
لذلك وبالمطلق التكافؤ الآن اقرب الى المنال من أيّ وقت آخر ورغم أنّ اسعار الفوائد نسبية بالمطلق فإنّ اوروبا واليابان لن تستطيعا إجراء أيّ تغيير في ظلّ المعطيات المتواجدة حالياً عبر الاطلسي وقد نذهب ليس فقط الى التكافؤ انما قد يعود اليورو الى المستويات التي كانت بالواقع حين نشوئه.