لست أدري لماذا استعدتُ من ذاكرتي أيام النضال الرائعة الذي كان يقوده الإتحاد العمّالي العام وأيضاً، وبصورة مميّزة ولافتة، نقابة المعلمين بقيادة النقيب الشاعر انطوان السبعلاني الذي حوّل حقبة رئاسته لهذه النقابة مرحلة زمنية بعثت الأمل في قلوب المنتسبين، وقذفت شرارات وإنجازات في مختلف الإتجاهات.
كانت المرحلة المشرقة في النضال المطلبي. ولم يكن نقيب المعلمين منتمياً لهذا الحزب أو لذاك التكتل أو لتلك الجماعة، إنما كان للبنان كلّه… ولأنه، كان كذلك، فقد دفع أنطوان السبعلاني (بل دفّعوه) الثمن الباهظ إضطهاداً لامس لقمة عيشه التي لم يأكلها إلاّ بالكرامة والصوت العالي والجبين الأعلى…
ثم تبدّلت الأحوال، فأضحت الأحزاب والحركات والتكتلات هي التي تفرض من يكون رئيساً للإتحاد العمّالي العام، ومن يكون رئيساً لنقابة المعلّمين (وهما الهيئتان الأكثر تأثيراً في حراك الشارع)… ومقابل أي شروط يجب أن تأتي نتائج «الإنتخابات»… ولربما رسمت الحركات والأحزاب والتكتلات خريطة بجدول أعمال واضح: هذه القضية إثارتها ممنوعة، هذا الموضوع يمكن مقاربته بالتي هي أحسن. وتلك المسألة التظاهر في شأنها مسموح، أما هذه فإياكم والشارع، الخ…
أدى هذا الواقع الذي استمر طويلاً الى إضاعة البوصلة فقد جرى «تدجين» الإتحاد العمالي العام الى أن افتقد قدراته كلها وأهمها قدرته في الشارع، فبات لا يمون على «تجميع» مئات الأشخاص للمشاركة في التظاهرات والإعتصامات (أي أقل من عدد الإتحادات المنتمية اليه) إلاّ إذا جاءه الدعم الشعبي من «أولياء الأمور» الذين يعيّنون فلاناً وعلاناً وعلتاناً في هذا الموقع القيادي أو في ذاك أو في ذلك.
أدى هذا الضمور الى سلسلة نكسات:
الأولى، وهي الأخطر: إفتقاد الحسّ الحقيقي للنضال الشعبي، والرضوخ لـ«التدجين»، وإعلان الطاعة لأولياء الأمور.
الثانية- الفشل في تحقيق المطالب المزمنة، إلاّ إذا تبنّاها هذا الحزب أو تلك الحركة أو تلك الجماعة… ثم يأتي التنفيذ على قياس من يعنيهم الأمر.
الثالثة – اسقاط تاريخ من النضال الشعبي الكبير الذي كان العمال والمعلمون والطلاب طليعته… فانقسم القوم الى أقوام، وباتوا «رهائن» في أيدي المسؤولين عنهم الذين هم (في معظمهم) مسؤولون حقيقيون في السلطة.
اليوم نحن أمام تغييرين في قيادتي الإتحاد العمالي العام ونقابة معلمي المدارس الخاصة التي بحّ صوت نقيبها السابق وهو يطالب بالحقوق… وبالرغم من معرفتنا بالخلفيات كلها و«التوافقات» كلها فإننا نريد أن نأمل خيراً بقيادة رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر ونقيب المعلمين رودولف عبّود… والمقياس واضح: مقياس الفشل ومقياس النجاح… وهو يتمثل بسلسلة الرتب والرواتب… والتعامل معها هو الإمتحان… وعندئذ يعرف اللبنانيون كلهم من يُكرم ومَن يُهان.
وتحية الى الصديق المناضل أنطوان السبعلاني الذي يبقى علامة مشرقة في سماء العمل النقابي.