IMLebanon

ازدواجية معايير الامين العام للأمم المتحدة؟!  

 

يعتمد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش معايير متعددة وازدواجية في سياسة تعاطيه مع القضايا والملفات والتطورات الدولية.. وهو إذ يغرق في تفاصيل معينة، فإنه يمر مرور الكرام بقضايا أساسية ومفصلية، بل مصيرية بالنسبة للعديد من شعوب العالم التي تعاني الامرين من الظلم والاحتلال والتمييز وتهديد وجودها في أراضيها، على نحو ما هو حاصل في الضفة الشرقية من فلسطين المحتلة..

 

في تقريره السنوي الى مجلس الامن حول القرار الدولي 1559، راح غوتيريش بعيداً في حملته غير المسبوقة على هذا النحو من مرجعية دولية ضد «حزب الله» الذي «لايزال – برأيه – الميليشيا الأكثر تسلحاً خارج سيطرة الحكومة في لبنان، ويشكل شذوذاً أساسياً (…) وخطراً لإمكان جر البلاد الى نزاع مسلح من دون أي رقابة ما يعد تحدياً كبيراً أمام قدرة الدولة على ممارسة سيادتها وسلطتها على أراضيها..» حيث لدى الحزب قدرات عسكرية متطورة خارج سيطرة الدولة وتهدد بتقويض استقرار الديموقراطية في لبنان.. متهماً الحزب و»مجموعات لبنانية» أخرى بأنها «لاتزال تتصرف عكس سياسة النأي بالنفس..» داعياً الحزب الى «عدم الانخراط في النشاطات العسكرية داخل لبنان (في اشارة الى ما حصل في جرود عرسال) وخارجه عملاً باتفاق الطائف والقرار 1559.. كما داعياً السلطات اللبنانية الى «اتخاذ الاجراءات الضرورية لحظر امتلاك «حزب الله» والمجموعات المسلحة الأخرى (لم يسمها) الأسلحة والقدرات العسكرية خارج سلطة الدولة..».

 

لم يصدر عن السلطات اللبنانية المختصة أي موقف من تقرير غوتيرش.. والذي هو في جوهر دعوة صريحة وواضحة لمواجهة بين الدولة اللبنانية و»حزب الله» و»المجموعات الأخرى.. وهي دعوة بالتأكيد لم ولن تلقى استجابة من الدولة لاعتبارات عديدة، خصوصاً وأن غوتيريش يدرك ولا شك، استحالة عبور الدولة اللبنانية الى مثل هذا الخيار، على رغم وجود جماعات وأفرقاء في لبنان يضعون نزع سلاح «حزب الله» في أولوياتهم..

 

قد يكون الامين العام للأمم المتحدة، تجاهل عن سابق اصرار وتصميم ان الاستقرار الذي يشهده لبنان، ويمتاز به عن العديد من دول المنطقة يعود في المقام الاول الى توافق الافرقاء اللبنانيين، الفاعلين والمؤثرين، على وضع الامور «الخلافية جانباً»، على نحو ما يقول وردد رئيس الحكومة سعد الحريري، والتشديد على «التوافق الذي من شأنه انقاذ البلد من أزمة وتمكيننا من اتخاذ قرارات..» وهو يشدد في كل مناسبة على ان «لبنان ليس جزءاً من أي محور، بل هو جزء فاعل من التحالف الدولي لمحاربة الارهاب ويقوم بدوره ويتحمل مسؤوليته في حماية شعبه وحدوده وسيادته من خلال قواه الامنية الذاتية..».

 

لم يتطلع الامين العام للأمم المتحدة الى معاناة لبنان واللبنانيين الحقيقية وهو يعتمد سياسة الضغط والاحراج على الدولة اللبنانية التي ترى مصلحتها في «الابتعاد عن توتير الأجواء.. والبحث عن مصلحة لبنان واللبنانيين والتي تتعزز أكثر مع تأمين كل ما يحتاجه الجيش اللبناني والقوى الامنية من عتاد ومعدات لتمكينهما من القيام بالمهام المطلوبة، والتشديد على تمتين الوحدة الوطنية ونبذ المصالح الضيقة على حساب مصلحة الوطن الشعب.. خصوصاً وأن الجيش أثبت أنه قوي وقادر وقد تمكن من هزيمة المجموعات الارهابية في الجرود الشرقية.. وكذلك بالنسبة الى القوى الامنية التي حققت نجاحات بالغة الأهمية في اصطياد «الخلايا الارهابية» على امتداد الارض اللبنانية..

 

لقد غفل السيد غوتيريش عن ان لبنان ملتزم الى أبعد الحدود القرارات الدولية، ومن بينها القرار 1701 الذي يتعرض لخروقات يومية من الجانب الاسرائيلي، براً وبحراً وجوا والعلاقات بين الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» تشهد على مدى الانسجام والتفاهم والتنسيق ومتانته بين الفريقين.. ومن أسف ان الامين العام ادار ظهره لهذه المسألة ولحقوق لبنان في تحرير ما تبقى من أرض محتلة في مزارع شبعاً وتلال كفرشوبا.. فما تفعله «إسرائيل»، حق مباح»؟!

 

ومن أسف أيضاً فقد ادار الامين العام ظهره لمطالب لبنان في التركيز على معالجة أزمة النزوح السوري في لبنان وتداعياتها وقد حذر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من تداعيات أي انفجار قد يحصل في لبنان في حال تعذر حل الازمة السورية وعودة النازحين اليها.. وهي تداعيات لن تقتصر على لبنان فقط بل تمتد الى دول كثيرة، وسلم سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن وممثلي الامم المتحدة رسائل لمعالجة هذه الازمة..

 

وعلي رغم ذلك، يبقى الخطر الاسرائيلي خطراً وجودياً وداهماً.. وقد حفلت الايام والاسابيع الماضية بالعديد من السيناريوات والمعطيات التي تم تداولها على أكثر من مستوى وتتحدث عن امكانية حرب إسرائيلية يكون لبنان هدفاً مركزياً فيها.. وهي حرب في قناعة عديدين من الخبراء والمتابعين والمعنيين «لن تكون سهلة ولن تعبر مرور الكرام..»؟!

 

لقد أثبتت التطورات والمعطيات ان التهديدات الاسرائيلية لم تأت من فراغ وهي تأتي على وقع الدعم الاميركي – اللامحدود – لهذا الكيان، والتهديدات الاميركية المتلاحقة التي تطاول لبنان من خلال بوابة «حزب الله».. وكأن ما يجري في الضفة الغربية يجري في عالم آخر «حيث السجل الاسرائيلي حافل بالجرائم اليومية، والتي كان آخرها الموافقة على بناء 2600 وحدة استيطانية في الضفة المحتلة ليرتفع العدد الى 260 في يومين ومصادرة ممتلكات المسيحيين والمسلمين في القدس الشرقية والاعتداءات المتكررة على مقدسات المسلمين والمسيحيين.. ولم يتحرك أحد، سوى ما قام به رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم في ختام مؤتمر «الاتحاد الدولي البرلماني» الذي عقد في سان بطرسبرغ الاربعاء الماضي وطرده المندوب الاسرائيلي: «قائلاً عليك أيها المحتل الغاصب ان تحمل حقائبك وتخرج من القاعة.. ان كان لديك ذرة من كرامة يا محتل، يا قاتل الاطفال.. أيها المحتل الغاصب ان لم تستح فافعل ما شئت..» رسالة الى الجميع  ومن بينهم غوتيريش؟!