Site icon IMLebanon

طبول الحرب تُقرع بين إسرائيل ونظام طهران

      

يترقب العالم الأيام القليلة القادمة حتى الثاني عشر من أيار (مايو)، الموعد الذي حدده الرئيس الأميركي للموقف من الاتفاق النووي مع إيران، انسحاباً أو تعديلاً أو بقاء. يسبق الموعد قرع طبول الحرب من جانب إيران وإسرائيل معاً، بل يترجم التهديد، إسرائيلياً، بقصف المواقع الإيرانية في سورية. العالم كله يتساءل، واللبنانيون خصوصاً، هل ستكون المنطقة مقبلة على منازلة إيرانية مقابل إسرائيل وأميركا؟ ما الاحتملات العملية لها، وما الذي يدخل في خانة التهديد، الذي هو حرب بوسيلة أخرى هدفها الحقيقي منع اندلاع الحرب، والوصول إلى تسوية ما. كيف تمكن قراءة مواقف القوى ذات الصلة بهذا التوتر السائد والمتصاعد؟

 

يشكل الموقف الأميركي مفتاح الأزمة، تعقيداً أو انفراجاً. فالقرار بالانسحاب من الاتفاق النووي كان أحد عناوين برنامج الرئيس ترامب في حملته الانتخابية. حتى الآن، الرجل ينفذ ما وعد به، في الداخل بإلغاء النظام الصحي الذي وضعه سلفه اوباما، وفي الخارج الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. قد يكون الاتفاق النووي أكثر تعقيداً نظراً للشراكة مع الدول الأوروبية وروسيا في توقيعه. لم تكن أميركا يوماً في وارد الضغط على نظام طهران من أجل إسقاطه، فهذا النظام، كان ولا يزال حاجة أميركية، تستخدمه فزاعة في وجه دول الخليج وغيرها من بلدان الشرق الأوسط. لا يعني التهديد بالانسحاب أن الأمر سيحصل فعلاً. لا تأخذ أميركا بالاً للتهديدات الإيرانية بالرد، لأنها بالونات فارغة، لكن التراجع قد يكون لمصلحة ملحق بالاتفاق وعقوبات، ستكون آثارها مؤلمة جداً على إيران.

 

في المقابل، يذهب الموقف الأوروبي، خصوصاً منه بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الى رفض القرار الأميركي بالانسحاب، وتسعى هذه الدول الى تعديله بإلحاق بنود تتصل بالأسلحة الباليستية. لا يصدر الموقف الأوروبي عن خطر رد إيران بالعنف على رعاة الاتفاق. ما يشغل بال هذه الدول هو أنها تمنن النفس بالاستثمارات في السوق الإيرانية، وبعضها دخل فعلاً الى هذه السوق، فلا يريد لشركاته أن تتكبد الخسائر الناجمة عن الإلغاء. قد تنجح هذه الدول في الوصول الى اتفاق مع الجانب الأميركي على تعديلات على الاتفاق، تسمح ببقائه. أما إذا أصر الرئيس الأميركي على قراره، فستكون عاجزة عن الفعل.

 

 

الموقف الإسرائيلي هو الأكثر تشدداً من المواقف الأميركية والأوروبية. في الأصل، كانت إسرائيل ضد الاتفاق، وظلت تطالب بإلغائه، وتحذر من الخطر النووي الإيراني. يضاف الى ذلك، أن إسرائيل تتخذ موقفاً متشدداً من الوجود الإيراني في سورية، وتدعو الى انسحابه. تترجم رفضها بعمليات عسكرية على القواعد الإيرانية، منها ما يجري الإعلان عنه، ومنه ما بقي في السر. لعل الضربتين الأخيرتين في قاعدة التفور وحماه خير دليل على تصاعد الحرب عملياً بين إيران وإسرائيل. ما يجري بين البلدين، استدراج متواصل من إسرائيل لكي ترد إيران على التعديات، فيما تلتزم إيران الصمت، بل ترد كلامياً بتهديدات على الطريقة السورية، برفض استدراجها لأنها هي التي ستحدد مكان وزمان المعركة التي ستنهي إسرائيل من الوجود، بل وتدمير الولايات المتحدة أيضاً.

 

أين يقف النظام الإيراني من هذه التطورات؟ يرفض نظام طهران أي تعديل في الاتفاق النووي، كما يرفض لأي بحث في منظومته الصاروخية، ويشدد على لأنه لا يرد عنده مطلقاً الانسحاب من سورية بعد أن تكبدت خسائر بشرية فادحة، وبعد أن وصلت استثماراتها وتوظيفاتها نحو 15 بليون دولار. التساؤل كبير عن الإجابة الإيرانية، بعيداً من التهديدات المعروفة والموجهة للاستهلاك. هل ستكون إيران جاهزة فعلاً للرد على التعديات الإسرائيلية والعودة الى برنامجها النووي في حال الانسحاب منه؟ لعل النقطة المتعلقة بالحرب مع إسرائيل هي الأكثر خطورة. سيكون من الصعب على نظام طهران أن يظل متلقياً صواريخ تدمر قواعده وتقتل جنوده، فيما يرد بالتهديدات. لكن الرد الإيراني المحدود من سورية على إسرائيل، قد يفتح حرباً شاملة من إسرائيل على النظام، وهو ما تعلنه إسرائيل بشكل صريح.

 

لا يبدو أن نظام طهران في وارد جرّ نفسه الى فخ الحرب الذي تدفعه إسرائيل اليه. ليس التوازن العسكري مقياساً في ظل طبيعة الحرب الدائرة اليوم. لكن نظام طهران سيكون أمام معضلات داخلية ستكون هي الأصعب عليه. إن أي حرب ستفاقم الوضع الاقتصادي المتأزم وتدفع به الى الانهيار. والحرب ستزيد من الاضطرابات الاجتماعية التي اندلعت أكثر من مرة وجرى إخمادها بالقوة. والحرب ستؤجج النزاعات الإثنية والطائفية بما يهدد إيران بالتفسخ، خصوصاً أن أقليات مسحوقة قد تجد الحرب مناسبة لانفصالها عن النظام المركزي.

 

تبقى نقطة أساسية تتعلق بالساحة اللبنانية ودور «حزب الله». هل ستعمد القيادة الإيرانية الى استخدام الساحة اللبنانية بإلزام الحزب فتح ترسانته الصاروخية وضرب إسرائيل؟ إن الحزب يملك من دون شك قوة نارية ستلحق أذى كبيراً بالدولة العبرية بما لا يقاس عن حرب 2006. لكن الحزب ونظام طهران يدركان ما تبيته إسرائيل للبنان والحزب إذا ما جرى استخدام الساحة اللبنانية، وهو ما تفصح عنه مراراً بتدمير لبنان وإعادته الى الزمن الحجري وإنهاء أي وجود سكاني في الجنوب والبقاع الغربي.

 

قد لا يتحقق ما جرت الإشارة اليه. وقد تغلب التسويات في النهاية ويخضع لها الجميع. لكن احتمال الانفجار يظل وارداً.

 

* كاتب لبناني