Site icon IMLebanon

الدروز… “عقدة” أكبر من حصّة!

 

يواجه أي رئيس حكومة مكلّف عِقَداً أساسية لأن النظام اللبناني لا يلحظ وجود قاعدة واحدة لتأليف الحكومات، في حين أن صراع الطوائف يفرض إيقاعه عند كل استحقاق من هذا النوع.

 

لا شكّ أن طائفة الموحّدين الدروز تخوض قتالاً تراجعياً داخل النظام اللبناني، ولم يشفع للدروز ذهابهم إلى “اتفاق الطائف” غير مهزومين، حفظ دورهم داخل التركيبة الجديدة.

 

ولا تقتصر العقدة الدرزية الحالية على التمثيل السياسي فقط بعد إعلان رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط عدم نيّته المشاركة في الحكومة بشكل مباشر، بل إن القضية تتعدّى ذلك وتصل إلى حجم تمثيل الدروز في الحكومة ونوعية الحقائب التي ستُسند إليهم.

 

لم يعد أمام جنبلاط مجال للمراوغة والإستفادة من خبرته السياسية وتحالفاته الداخلية لفرض إيقاعه على اللعبة الحكوميّة، فأمام العودة المسيحية إلى الحكم والصعود الشيعي والقتال السني للحفاظ على المكتسبات التي سلخها “الطائف” من صلاحيات رئيس الجمهورية، يقف المكوّن الدرزي عاجزاً أمام “تطاحن” الكبار على السلطة، وهو الذي فقد دور “بيضة القبّان” بعد تسوية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016.

 

لم يكن أمام الدروز عموماً وجنبلاط خصوصاً إلا التعامل مع الأمر الواقع الذي فُرض بعد “الطائف”، ورضي بالتراجع في الدور، فقبل “الطائف” كان الدرزي يتبوّأ حقيبة سيادية، والجميع يتذكّر دور المير مجيد إرسلان عندما كان وزيراً للدفاع أثناء معركة بلدة المالكيّة التي تقع في جبال الجليل الأعلى بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي العام 1948، كذلك فإن مؤسس الحزب “الإشتراكي” كمال جنبلاط شغل حقائب سيادية مرات عدّة.

 

باتت حصة الدروز بعد “الطائف” تقتصر على 3 وزارات إذا كانت حكومة ثلاثينية، ووزيرين إذا كانت حكومة من 24 وزيراً، ووزير واحد إذا كانت حكومة من 14 وزيراً وما دون.

 

وطرح البعض أن يتولّى الدروز وزارة العدل على اعتبار أنها وزارة شبه سياديّة، بحيث أن الوزارات السيادية أربعة، أي الدفاع والداخلية والخارجية والمال، وتتوزّع على الطوائف الأربع: المارونية، الأرثوذكسية، السنية والشيعية.

 

وفي تاريخ لبنان الحديث أي بعد “الطائف”، لم يتمّ تأليف حكومة من 18 وزيراً مثل الحكومة الحالية، وفي حال أصرّ دياب على أن تتألف من 18 وزيراً، نصبح أمام معضلة جديدة، وهي عدم قدرة الدروز على التمثّل بأكثر من وزير.

 

وفي التفاصيل فإن الحكومة تتألف مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين ومثالثةً ضمن المناصفة بين الموارنة والسنة والشيعة، وبالتالي فإن الحصة المسلمة ستتوزّع بين 4 وزراء لكل من السني والشيعي ووزير درزي، وفي حال حاز الدروز على وزيرين عندها لا يستطيع السنّي او الشيعي قسمة بقية الحصة مناصفةً بل إن أحدهما سينال 3 وزراء والآخر 4، وفي هذه الحال فإن أياً من المكوّنين السني أو الشيعي سيتخلّى عن وزير، علماً أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي تخلّى عن وزير شيعي لصالح الحصة السنية، من أجل تسهيل ولادة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي العام 2011، وهذه الخطوة غير مستبعدة الآن في حال قرر الثنائي الشيعي تسهيل الولادة الحكوميّة.

 

لكن المشكلة الثانية في حال حُلّت مشكلة حجم المشاركة هي في نوعية الحقيبة، أو أكثر، التي ستُسند إلى الدروز، إذ إن المرجعيات الدرزية على اختلاف تلاوينها السياسية، تضاف إليها مشيخة العقل، ترفض إسناد حقيبة غير أساسية للطائفة، بعدما تمّ التداول بحقيبة البيئة.

 

وشكّلت تغريدة جنبلاط المسائية أكبر دليل على الإمتعاض الدرزي إذ قال: “أقول للّذين يشكّلون الوزارة وأذكّر بأن الدروز ليسوا في موقع الاستعطاف أو الشحاذة لوزارة. باسمي واسم جميع الذين يمثّلون هذه الطائفة الكريمة وخارج الانقسامات السياسية، فإننا نطالب بالمساواة النوعية في التمثيل أقلّها الصناعة والأشغال ونرفض النفايات أما الشؤون الاجتماعية أهدوها لكاريتاس”.

 

ويتمنّى بري أن يشارك جنبلاط في الحكومة بوزير تكنوقراط يسمّيه من أجل تأمين الغطاء الدرزي المطلوب، في وقت تصرّ مصادر في “الإشتراكي” على عدم المشاركة المباشرة في الحكومة ومنحها الغطاء، لكن هذا الأمر لا يعني القبول بالتنازل عن الحقوق المكتسبة أو إستغلال اللحظة لفرض أعراف جديدة، فيما التخريجة ستكون بالإتفاق على اسم درزي لا يستفزّ جنبلاط ويُرضي رئيس الحزب “الديموقراطي اللبناني” النائب طلال إرسلان.

 

ولا يحبّذ العاملون على خطّ التأليف، أن تضاف مشكلة إلى المشكلات التي تواجه الحكومة وهي عدم منح الغطاء الدرزي لها بعد افتقادها الغطاء السنّي، وهذا الأمر سيكون مزعجاً، خصوصاً مع وجود نصف المسيحيين خارجها، وبالتالي ستكون مهمّة إسقاطها في الشارع أسهل. لذلك، فإن العمل ينصبّ على إرضاء الأطراف الدرزية وعلى رأسها جنبلاط وعدم خلق إشكال طائفي جديد يُضاف إلى الألغام المزروعة على طريق الحكومة المنتظرة.