اللقاء الحواري الذي دعا اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا يوم الاثنين المقبل، هو من نوع تدارك ما يمكن تداركه في اللحظات الأخيرة من وقت قصير وداهم. وموضوع سلسلة الرتب والرواتب وتأمين الموارد لتغطية نفقاتها، أمر مطروح في السجال العام والمتشنج منذ سنوات، دون التوصل الى معادلة تحقق التوازن بين الموارد والانفاق من جهة، وبين العاملين وأرباب العمل من جهة ثانية، وبين عدالة انصاف أصحاب الحقوق والمحافظة على الانتظام المالي العام والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمالي في البلاد، من جهة ثالثة. وليس في الأفق ما يشير الى أي تغيّر في مواقف القوى المختلفة المعنية بالسلسلة، ولكن الأمل معقود على مبادرات وحلول مبتكرة – ولو جزئية – قد يكون تمّ التوصل اليها خلال الدراسة الذي أجراها الخبراء بناء لطلب رئيس الجمهورية…
لبنان، دولة وشعبا وفعاليات وقوى عاملة، مكبّل بتراكمات متعاظمة من الشوائب والأخطاء والارتجال والفوضى والفساد والهدر. وحتى لو توافرت نيّة الاصلاح واعادة بناء الدولة على أسس عصرية، فان تلك التراكمات والمستفيدين منها تحولوا الى قوة قاهرة قادرة على احباط أي اصلاح أو اعادة بناء. ولهذا يجد المسؤولون أنفسهم أمام واقع معالجة النتائج لا الأسباب التي قادت اليها. والمشكلة اليوم هي الضرائب المشكو منها لتمويل السلسلة من مختلف القوى المعنية بها. والقول بأنه لا بد من اعادة تنشيط الاقتصاد الوطني قبل التفكير بانصاف أصحاب الحقوق، هو من نوع تكبير الحجر حتى يتعذر الرشق به. وأقرب الممكن لتعديل الخلل في موازنة الدولة هو تجفيف منابع الهدر لتعزيز موارد الخزينة وقد دلّت الوقائع والأرقام على مدى السنوات الكثيرة السابقة ان أرقام الهدر تقاس بمليارات الدولارات!
اذا كانت اقتصادات الدول تتأثر بدوران عجلة الاقتصاد العالمي. والأوضاع والأزمات الاقليمية، فهما خارج سيطرة الدولة اللبنانية. اما تجفيف منابع الهدر والفساد فهو يقع مباشرة تحت سيطرة الدولة وقدراتها، ولكن الأمر يحتاج الى قرار سياسي شجاع، وارادة جبّارة تفرض هذا التغيير!