IMLebanon

الزلزال الذي يضرب «إسرائيل» 

 

 

اتخذت على نفسي عدم الكتابة عن الديانة اليهودية ومخططها، على اساس ان من يكتب ذلك يُتهم بانه ضد السامية. وقد تم استغلال هذا الموضوع، خصوصا منذ ايام النازية وما حصل في المانيا في زمن هتلر. لكن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء «اسرائيل»، اعلن ان «اسرائيل» هي دولة يهودية وصادق على ذلك «الكنيست الاسرائيلي»، وان القدس هي العاصمة اليهودية الابدية «لاسرائيل»، واقام حكومة ضمت الاحزاب اليهودية المتطرفة ووزراء مثل بن غافير وسموتريش وغيرهما، اضافة الى نتنياهو رئيس حزب «الليكود» المتطرف دينيا مع حزبه.

 

اكاديميان يهوديان لم يهبطا من كوكب آخر ولا من الخرافة: المؤرخ واستاذ التاريخ في جامعة «تل ابيب» شلومو ساند صاحب كتاب اختراع الشعب اليهودي، والكاتب والباحث الفرنسي البولندي الاصل ماريك هالتر صاحب «الاوديسه اليهودية». وقد قالا ان هؤلاء الذين في ارض كنعان لا يمتون باي صلة، اكانت تاريخية او عقائدية ام بيولوجية الى اليهود القدامى. وقد أجرى الاكاديمي ساند بحثاً لسنوات في الوثائق القديمة المتعلقة باليهودية، كما قضى هالتر سنوات في البحث بجماجم الاشكناز، ليتبين انتماؤهم الى قبائل الحذق، دون ان يتحدروا في حال من الاحوال من اي من الاسباط الاثني عشر، بل كل ما في الامر ان «الحاخامات» هم اصحاب تلك البدعة، التي سبق ورأى ساند انها قتلت ما تبقى من الروح اليهودية. اكثر من ذلك لاحظ مدى النقص الدراماتيكي في التفاعل السوسيولوجي، وحتى في التفاعل السيكولوجي في «اسرائيل»، كما لو اننا في حلبة حيث الجميع يأكلون الجميع.

 

منذ ايام غفير بن غوريون والى ايام بنيامين نتنياهو، تتكثف عمليات عسكرة كل مناحي الحياة، وحتى عسكرة الغربان حين تستوطن الاغصان. لهذا تسأل ماذا لو صدمت قوتنا العسكرية، وهي القوة الكافحة التي ظهرت في كل حروبنا، يوما ما بقوة اخرى!

 

هذه ليست بالمسألة المستبعدة ما دام التاريخ يمر بين الحين والآخر بحالة من الجنون. هل سيكون هناك من يهيل ويرمي الاتربة على جثثنا؟ هل الاكاديمي ساند الذي عرف بقنواته بالكثير من المقالات الدينية ، لاحظ ومنذ ان التقى غولدمائير كبطاقة مرور الى ياسر عرفات ، انه اذا تعرضوا لاي عاصفة سياسية او عسكرية او داخلية اوخارجية يمكن ان يتبعثروا مثلما تتبعثر حبات الرمل، ما اثار سخط القادة «الاسرائيليين» الذين نفذوا بكلامه حول الشتات الداخلي، التي تكون مفاعيله اكثر تاريخية من الشتات الخارجي.

 

هناك نوع من الخصام المرضي لدى التشكيلات السياسية والحزبية. هناك كراهية غير معلنة بين القادة السياسيين والقادة العسكريين. وبعدما خبرنا كمتابعين من وراء الاسوار ان اكثر القادة تأثيراً في الرأي العام، هم اصحاب الخلفية العسكرية، سواء خرجوا من الجيش ام من المنظمات الارهابية التي شكلت النواة الصلبة للمؤسسة العسكرية لدى اعلام قيام الدولة عام 1948.

 

تعود بي الذاكرة الى الحلقات الاذاعية التي تلقيتها عن العقيدة اليهودية الدينية الجامدة من الامين الاول جورج عبد المسيح وانا في سن السابعة عشرة من عمري لمدة ثلاث سنوات، وحتى الآن اتابع بحثي مهما قالوا انني ضد السامية.

 

ايضا نلاحظ ان الصراع في أوجِه بين الفريق العسكري الذي يتمثل ببيني غانتس وغادي ايزينكوف، ويوآف غالانت ويائير لابيد، هؤلاء الـ 4 جنرالات قادوا الجيش «الاسرائيلي»، وبين المستوى السياسي والديني الذي يمثل بنيامين نتنياهو وايتمار بن غفير وبتسلئيل سموريتش، فتعود الى ذاكرتنا ما قرأناه حول مملكة «اسرائيل» وممكلة يهوذا، وما جرى بينهما من قتال طويل الامد.

 

لذلك، بعد موت سليمان اصبح هناك تشققات شخصية ومصالح فردية ادت الى شبه زوال، وهو ما يُشبه حال «إسرائيل» الآن بعد عملية طوفان الاقصى. فالمؤسسات السياسية والعسكرية والامنية، كانت تُجمع على دفن حركة حماس وحلفائها خلال شهر واحد او اكثر بقليل والى الابد، فها هي الحرب قد دخلت الشهر التاسع، فاين «اسرائيل» الآن؟

 

معلومات مؤكدة عن هجرة نحو مليون وربع مليون «اسرائيلي» منذ اشتعال المعارك منذ 7 اكتوبر 2023، مع تراجع مخيف في ثقة القواعد الشعبية بفعالية القيادات الحالية ،التي تبدو في صراع علني فيما بينها. وهذا ما يجعل «اسرائيل» تعيش اجواء الزلزال، ما احدث حالة من الضياع والهذيان الذي اثار مخاوف اميركية من الذهاب اكثر في هذه الحال، اذا اخذت بالاعتبار دعوة بعض الوزراء الى ضربة لغزة واكثر من غزة، منعا للعودة الى زمن البابليين والى زمن الرومان.

 

«الاسرائيليون» يشعرون الآن انهم وصلوا الى جواب قديم فرضته فلسفة «القوة القصوى»، ويسألون ماذا يحصل لنا اذا وجدت تلك القوة التي لا تقهر؟

 

للمرة الاولى يشهد الكيان الصهيوني ذلك النوع من الفضائح في الميدان، حتى ان قائد فرقة غزة في الجيش اني روزنفيلد اعلن استقالته وقال: «استقيل لانني فشلت».

 

وللمرة الاولى يحكى عن تمكن حزب الله من تحفيز الجهاز العصبي بسبب حساسية الرفض لاي تحرك او لاي تموضع، مع توجه بالغ الدقة الى هذه المواقع في الجليل او الى ما ابعد من الجليل، سواء لمهمات عملية او لمهمات لوجستية بكل معنى الكلمة، ثم زلزال يضرب «اسرائيل» لتأتي مسألة «الحريديم» التي اذا تكشف مدى الحاجة الى جنود اضافيين، تعكس بعدا آخر ان للصراع العقائدي او للصراع الثقافي بين الجاليات التي وفدت تباعا من انحاء الدنيا.

 

تلك فئة من اليهود المرتعدين امام سلام يهوه كانت تشكل 3% منذ قيام الدولة، لكن النسبة ارتفعت الى 13% لتتحول الى معضلة حقيقية للقنبلة العنقودية داخل عقيدتهم لعدم الانخراط في الجيش. انهم يحمون الدولة بقراءة الثورات ويقولون لسنا بالكفرة في وجه يهوه.

 

النتيجة تشققات يهودية اضافية تزيد في اضطراب العلاقات بين مكونات الكيان والدولة اليهودية، الذي لا بد ان يقترب اكثر واكثر من الانفجار.

 

الانفجار آت آت لا محال.