عدم تأليف الحكومة الإسرائيلية يُرجئ زيارة ديفيد شنكر إلى لبنان لمتابعة التفاوض بشأن ترسيم الحدود
هل يتعظ أهل السياسة من الحرائق التي كادت بالأمس ان تبتلع لبنان، ويسارعون إلى إطفاء الحرائق السياسية المتنقلة في ما بينهم، والتي تطال اضرارها الدولة ككيان ومعها الشعب اللبناني بكل شرائحه والذي يئن ويعن تحت وطأة ظروف اقتصادية ومالية لم يألفها حتى في عز الحرب الأهلية.
ان ما جرى بالأمس من حرائق متنقلة أكلت الأخضر واليابس في أكثر من 140 موقعاً على مساحة لبنان يجب ان يُشكّل صدمة قوية تؤدي إلى استفاقة ولو متأخرة للعاملين في الشأن السياسي من أجل تصويب المسار وتجاوز الخلافات والذهاب في اتجاه معالجة الأزمات التي لم تعد في مقدور الشعب اللبناني على تحمل وزرها، وباب ولوج هذه المعالجة هو إقرار الموازنة + القيام باصلاحات سريعة وواضحة + وقف الهدر ورفع الغطاء عن المرتكبين وسارقي المال العام، وهو أمر تشترطه كل الدول التي أعلنت مد اليد للبنان لتقديم المساعدة ليصبح قادراً على الخروج من أزماته وعدم الانزلاق إلى الهاوية.
لا شك ان لعبة المناورات والرهانات وإضاعة الوقت لم تعد ذات جدوى لدى أي فريق سياس لأن المخاطر الناجمة عن سلوك هذا الطريق ستكون كبيرة على الجميع مالياً واقتصادياً، وهي ستكون أشبه بمن يلعب على حافة الهاوية.
وفي هذا السياق يُؤكّد مصدر وزاري سابق ان الغنج السياسي واسلوب النكايات في التعاطي لم يعد يتناسب والوضع الاقتصادي والنقدي الآخذ بالانحدار وانه بات لزاماً على الأفرقاء السياسيين الأسراع في وضع خارطة طريق لسلوكها في اتجاه المعالجات ان نقطة الانطلاق هي الموازنة العامة التي يجب ان تقر في موعدها مقرونة بالاصلاحات.
ويلفت المصدر النظر إلى انه كان هناك توافق على الإسراع في إنجاز موازنة الـ2020 مترافقة مع الإصلاحات التي تمّ فرزها إلى ثلاثة أنواع. هناك أنواع مختلفون عليها وضعت جانباً ويوجد إصلاحات متفقون عليها ولكن هي بحاجة إلى مجلس النواب لكي يتم اقرارها بقوانين، وهناك إصلاحات متفقون عليها وتقر في مجلس الوزراء من خلال مراسيم.
وفي تقديره ان جلسة مجلس الوزراء التي سبقت الجلسة الأخيرة كانت إيجابية جداً، وهي خلت من أي إشكالات، حتى ان بعض الوزراء أبدى تحفظاً على بعض الأمور وتجنب إعلان المعارضة الا ان الوزراء دخلوا إلى جلسة مجلس الوزراء الاثنين الماضي وفوجئوا بأجواء جديدة من خلال المطالبة بإعادة النظر بأرقام الموازنة والاصلاحات من قِبل وزراء «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، وكان هناك موقف من قِبل الرئيس سعد الحريري قال فيه اننا كنا متفقون على كل شيء، «شو عدا ما بدا» حتى تطالبون بإعادة النظر بالأرقام، وهنا تعرقلت الأمور.
وسأل المصدر الوزاري: هل هذه العرقلة هي مؤقتة بسبب التشنج السياسي الذي اعقب مواقف الوزير جبران باسيل إن في القاهرة على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب، أو في مهرجان الحدث وما تلاه من خطابات نارية لوزراء ونواب الحزب التقدمي الاشتراكي خلال التظاهرات التي انطلقت من الكولا وصولاً إلى رياض الصلح، أم ان هناك قراراً سياسياً بتعطيل الموازنة والاصلاحات في إطار الكباش الجاري بين الولايات المتحدة الأميركية و«حزب الله»؟ فإذا كان التعطيل بسبب الكباش الناشئ عن العقوبات فهذا أمر خطير جداً، كون ان «سيدر» ما زال موجوداً، والاقتصاد لا يزال صامداً، والعرب يحضرون لمساعدة لبنان، وواشنطن تعطي ايحاءات لدعم لبنان، فإذاً هذه القضايا اعترتها عقبات عندها يصبح الوضع خطيراً، والدليل ان الموفد الأميركي بشأن ترسيم الحدود ديفيد شنكر كان يفترض ان يزور لبنان في الرابع عشر من الشهر الحالي أي قبل يومين ففضل بين الوضع اللبناني الحالي، وعدم وجود حكومة في إسرائيل عدم المجيء من دون تحديد موعد آخر لهذه الزيارة.
انطلاقاً من هذه المعطيات فإن المصدر الوزاري يجزم بأن الوقت لم يعد لصالح لبنان، وأنه لا بدّ من صدمة تنشله مما هو فيه، وهذه الصدمة منطلقها القيام برزمة إصلاحات واستعجال إحالة الموازنة إلى البرلمان لإقرارها، لأن لبنان نتيجة ما يمر به من أزمات اقتصادية ومالية أصبح تحت المجهر الدولي، فالمجتمع الدولي يستحيل مساعدة لبنان ما لم يسارع الأخير إلى مساعدة نفسه من خلال اقفال مزاريب الهدر ومكافحة آفة الفساد واستعادة المال المنهوب من خلال رفع الغطاء عن أي مرتكب.
ويرى المصدر نفسه ان لبنان هو اليوم امام أشهر ثلاثة مفصلية من الآن وحتى آخر العام الحالي فإما أن ينجح في عملية الإصلاح، أو ينزلق إلى أزمة اقتصادية ومالية خطيرة جداً.