بري يسأل عن أسباب التباطؤ في المعالجات وفي إقرار ورقة بعبدا
إذا كان الرئيس برّي اكتفى أمس بهذا القدر من رفع الصوت في وجه المسؤولين، فإن النواب سمعوا منه كلاماً أكثر قساوة وايلاماً يوجه إلى المسؤولين
يبقى الواقع الاقتصادي – المالي المأزوم في الواجهة في ظل غياب جدية المعالجات التي يتولاها المسؤولون عن البلاد والعباد، بالرغم من ان هذا الباب لا يزال مفتوحاً على مصراعيه في قصر بعبدا وسائر المقار المعنية، مما دفع برئيس مجلس النواب نبيه برّي للمرة العاشرة لان يدق ناقوس الخطر في وجه الجميع، مذكراً اياهم بأن الطريق للخروج من هذا التردي الحاصل وإنقاذ البلاد باتت معروفة ومفتوحة إذا ما تقيد بها هؤلاء المسؤولون وعملوا وفق أجندة زمنية محددة لوضعها موضع التنفيذ قبل فوات الأوان، مستنداً في ذلك إلى الإجماع الذي حصل في لقاء بعبدا الموسع قبل نحو شهر على 22 بنداً اصلاحياً من أصل 49 بنداً وضعت على طاولة ذلك الاجتماع ونوقشت بالتفصيل الممل بنداً بنداً.
لم يكتف برّي بدق ناقوس الخطر بسبب الاستمرار في المماطلة وتوزيع المسؤوليات بل جدد طرح نفس السؤال على الحاكمين: لماذا المماطلة والتأخير في تفعيل الهيئة الناظمة لقطاع النفط؟ وذلك على سبيل المثال لا الحصر على اعتبار ان أمورا أخرى اجتماعية وحياتية ملحة أيضاً لا يجب التلاعب بها بعد الآن واختراع أمور أخرى لا تمت إلى الواقع والحقيقة بصلة بقدر ما تؤشر إلى ان طرحها جاء متعمداً لكي يُبرّر المسؤولون تقصيرهم وتهربهم من وضع الاصبع على الجرح.
وإذا كان الرئيس برّي اكتفى أمس بهذا القدر من رفع الصوت في وجه المسؤولين، فإن النواب سمعوا منه كلاماً أكثر قساوة وايلاماً يوجه إلى المسؤولين الذين يدعون انهم يسهرون على الوضع، ولا يتركوا وسيلة لبلوغ الحلول الإنقاذية الا ويطرقونها مشيرين في ذلك إلى التعميم الذي أصدره مؤخراً حاكم مصرف لبنان والذي أدى من وجهة نظرهم إلى تهدئة سوق القطع التي شهدت فوضى عارمة طيلة الأيام العشرة الماضية، والذي دفع الشعب اللبناني للنزول إلى الشارع مطالباً بإسقاط الطبقة السياسية لأنها تتحمل وحدها مسؤولية تجويعهم ومسؤولية التردي الاقتصادي – المالي الذي بات يُهدّد بالانهيار الشامل.
وبناء على ما كشفته مواقف رئيس مجلس النواب عن سوء إدارة المسؤولين تداعت أمس قوى الإنتاج إلى عقد اجتماع مشترك ركز على خطورة الحالة التي بلغتها البلاد نتيجة التباطؤ الحاصل في التصدّي لها من قبل أرباب الحكم وأكدت فيه توحيد صفوفها لمواجهة هذه الحالة الصعبة التي تتعرض لها البلاد خصوصاً على المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتي تُهدّد المؤسسات والعمال، ومحذرة في الوقت نفسه من اقدام الدولة كما يتردد في مجلس الوزراء العاكف على درس موازنة العام المقبل ويستند في معالجته للأزمة الراهنة على زيادة الأعباء الضريبية بهدف زيادة مداخيل الخزينة على اعتبار ان مثل هذا الاجراء لا يُشكّل حلاً بقدر ما يزيد الأعباء على المواطن الذي لم يعد بإمكانه التحمل، وأكثر من ذلك يدفع هذا الشعب إلى استخدام كل الوسائل والاساليب المشروعة وغير المشروعة حتى للرد على من يتطاول على لقمة عيشه، واعتبار قوى الإنتاج ان زيادة الأعباء الضريبية بات يُشكّل إحدى أبرز مسببات تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية. وبذلك تكون القوى الانتاجية التقت مع السلطة الاشتراعية المنوط بها وفق الدستور، السهر على مصلحة الشعب، ومراقبة السلطة الاجرائية ومحاسبتها عند الضرورة على دق ناقوس الانذار في وجه هذه السلطة، إذا لم تبادر فوراً إلى حزم أمرها باتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية يأتي في طليعتها خفض حجم القطاع العام وإعادة هيكلة نفقاته وإصلاح قطاع الكهرباء، ووضع حدّ للفساد، ومنع التهريب والتهرب الضريبي والاقتصاد غير الشرعي الذي يمر تحت سمع الدولة وبصرها عبر المعابر غير الشرعية والذي من اسبابه المعلنة فقدان الدولار من السوق واضطرار النّاس إلى النزول للشارع.
وكان الملاحظ في هذه المشهدية دخول حزب الله على خط الخلاف الناشئ حالياً بين رئاستي الجمهورية والحكومة حول طرق معالجة هذه الأزمة دفاعاً عن الرئاسة الأولى التي تربطه معها ورقة تفاهم، محمّلة الحريرية الاقتصادية الممتدة حسب زعمها منذ العام 1992 وحتى اليوم مسؤولية الأزمة التي يتخبّط فيها حالياً لبنان واللبنانيون.
واستناداً إلى كل ما تقدّم من انذارات وتحذيرات للمسؤولين، ما زالت الأوساط السياسية المراقبة تشكك في قدرة السلطة الاجرائية بكل مكوناتها المتناقضة والعاجزة حتى الساعة عن تحقيق الإصلاح المطلوب للانقاذ رغم الحركة الواسعة التي تقوم بها سواء عبر الإجراءات التقشفية التي اتخذتها وستتخذ غيرها في موازنة العام المقبل أو عبر الاتصالات الخارجية طلباً لدعم دولي طالما ان الوقت قد سبقها.