Site icon IMLebanon

الوضع الاقتصادي في تبرير التسوية ورفضها هل بات ملحاً إنجازها أو يمكن التأجيل؟

أبرز رئيس الحكومة تمّام سلام مجددا مقدار الكلفة العالية التي تترتب على لبنان نتيجة الاستمرار في منع حصول الانتخابات الرئاسية وتعطيل الحكومة وسائر المؤسسات الدستورية. وبرز المنطق نفسه لدى مبرري ترشيح النائب سليمان فرنجيه انطلاقا مما آل اليه الوضع والمخاطر التي يحملها، ليس فقط على الصعيد الامني والسياسي بل على الصعيد الاقتصادي ايضا. وكل الخارج يدفع في هذا الاتجاه رغبة في المحافظة على الاستقرار الداخلي الذي يضبطه الجيش والقوى الامنية، لكن هذا الاستقرار يبقى في حاجة الى غطاء سياسي، كما ان الخارج يحتاج الى مرجعية يتم التحاور معها في ظل “هلهلة” المؤسسات الدستورية.

إلا أن أصحاب المنطق المعارض، حتى من ضمن الصف نفسه، سعوا الى دحض واقع أن لبنان لم يعد يستطيع ان يتحمل الفراغ، وفي رأيهم أن الامور لم تصل بعد الى درجة تحتم القبول بتسويات مماثلة. يقول أصحاب الرأي غير المستعجل التسوية إنه قد يكون هناك استخدام للوضعين الاقتصادي والمالي من اجل تبرير الذهاب الى التسوية المفترضة. ولكن لا يستطيع هؤلاء ان ينفوا في الوقت نفسه ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية يبدل الوضع الداخلي ويعطي مؤشرات قوية من شأنها ان تساهم في تحريك النشاط الاقتصادي في البلد، باعتبار أن انتخاب الرئيس العتيد سيكون مدخلا لتأليف حكومة جديدة والذهاب الى انتخابات نيابية، وهو ما يفترض انه يطلق مرحلة ايجابية جدا في البلد لبعض الوقت على الاقل. ذلك ان لبنان أصبح مرتبطا بمصير سوريا أكثر من أي وقت، ليس على صعيد يوميات القتال، باعتبار ان الميدان عرف جولات اخذ ورد من دون ان يتأثر الوضع الداخلي اللبناني كثيرا، ما خلا ما اندرج من ضمن رد الفعل على تدخل “حزب الله” في الحرب السورية، بل إنه سيتأثر حكما بمصير سوريا، سواء اتجه نحو التقسيم أو رحيل بشار الاسد او عدم رحيله، او حتى في موضوع النازحين.

هل يكابر اصحاب الرأي المعارض للتسوية على اساس عدم وجود حاجة ماسة الى إراحة الوضع، وتاليا عدم وجود حاجة الى تقديم اي تنازلات من اجل تبرير رفضها ايضا؟

في السياسة، باتت النظرة الى الشغور الرئاسي وانعكاساته اقرب الى وجهة النظر منها الى الحقيقة في ظل اصرار بعض القوى على ان الفراغ يبقى افضل من وصول مرشحين معينين. الا ان واقع الامور بالنسبة الى مصادر سياسية خبيرة في الاقتصاد ان روزنامة الانتخابات الرئاسية اظهرت مرة اخرى انها ليست مرتبطة بالروزنامة الداخلية، سواء كانت الحاجة ماسة الى إراحة الوضع السياسي وضمان الاستقرار او إراحة الوضعين الاقتصادي والمالي. فهذه الاعتبارات هي آخر الهموم بالنسبة الى الممسكين بالورقة الرئاسية، في حين يحتاج الافرقاء في الداخل الى استخدام كل الاوراق المتاحة لتعزيز مواقفهم او رؤيتهم. وهذه الهموم اللبنانية لا يمكن ان تعجل في انتخاب رئيس جديد ولا هي قادرة على إقناع حليف او خصم، انطلاقا من ان اللعبة السياسية لا تخضع كما في الدول الاوروبية او الولايات المتحدة للعوامل الاقتصادية والمالية، بل قد تكون هذه الاعتبارات مفيدة فقط في مخاطبة الرأي العام ليس إلا. انما قياسا على ما يعانيه الناس، فإن مسألة انتخاب رئيس تعد امرا مهما وملحا، والوضع المالي صعب وسيزداد صعوبة انطلاقا من ان الفراغ على مستوى الرئاسة والحكومة يساهم في زيادة التشنج الذي يزيد بدوره الكلفة الاقتصادية، وتاليا المخاطر الاقتصادية والمالية على لبنان. فاستمرار الوضع على ما هو يضعف مناعة الاقتصاد كما الوضع المالي. انما السؤال هل الوضع صعب وبلغ من الخطورة درجة ان عدم انتخاب رئيس في المدى القريب جدا، اي خلال شهر او شهرين، سيترك انعكاسات بالغة اكثر مما هو حاصل حتى الان؟ وهل التحرك نحو التسوية يبرره الحرص المالي فحسب؟ تجيب المصادر السياسية الخبيرة عن هذين السؤالين ب”لا” مؤكدة، ما لم تحصل تطورات امنية خطيرة، وهو امر غير مستبعد باعتبار ان لا ضمانات على الاطلاق لعدم حصول اهتزاز أمني خطير يهز بدوره الوضعين الاقتصادي والمالي، ويبرر للساعين الى تسوية في اقرب وقت ممكن منطقهم بقوة، بحيث يمكنهم القول انهم سعوا الى تسوية تتم بسرعة نسبيا، اولا بعد شغور مستمر منذ سنة ونصف سنة، ثم تجنبا لما يمكن ان يواجهه لبنان. وفي ما عدا ذلك فإن اداء القوى السياسية لا يوحي بالحاح داهم يقي البلد المخاطر التي يحذر منها كثيرون، ولا يبدو ان الوضعين الاقتصادي والمالي هو الشغل الشاغل لهذه القوى، بل هي الاعتبارات السياسية. والدليل على ذلك أن يلجأ لبنان الى تصدير نفاياته باسعار مرتفعة، بعدما تم دفع اعتماد اضافي للدولة عبر رفع سقف الموازنة الى 24 الف مليار ليرة، بما يعني شيكاً على بياض لوزارة المال. ومسألة رفع قيمة الاعتمادات لوزارة المال وتصدير النفايات هما خطوتان لا تستقيمان مع المخاوف الكبيرة على هشاشة الوضع في لبنان، اقله في المدى القريب جدا، انطلاقا من ان هذا الوضع هوى، إذا صح التعبير، ليس في ضوء ازمة الفراغ الرئاسي فحسب، بل منذ انهيار اتفاق الدوحة مع اطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري، ثم مع الازمة الداخلية التي انطلقت من هذا الانهيار ولاحقا من الازمة السورية وتبعاتها، وصولا الى تدخل ” حزب الله” في سوريا وأزمة النازحين.