على رغم عجز اللبنانيين عن تشكيل حكومتهم، يتحمس وزراء تصريف أعمالهم، المكلفين من رئيس الجمهورية، في أداء واجب دعوة الملوك والأمراء والرؤساء العرب إلى حضور القمة الاقتصادية العربية الرابعة التي يستضيفها لبنان في 19 و20 كانون الثاني (يناير) 2019.
أول ما يلوح في البال أنه يستحسن عقد القمة في بيروت وقد تشكلت الحكومة المنتظرة. فمن دون حكومة لن يكون لدى لبنان ما يقوله للقادة العرب، ولن يقدم هؤلاء على خطوات ذات معنى تجاه البلد المضيف، خصوصاً إذا كان خطابه الرسمي يسير بموازاة الخطاب الآخر «غير الرسمي» والمخصص لمعاداة القادرين العرب على جعل أي قمة اقتصادية ذات جدوى ومنفعة. وفي حال كانت الحكومة قائمة برئاسة سعد الحريري، وهو ما يأمله الحريري بحسب تصريحاته الأخيرة، فسيصبح لدى لبنان ما يقوله للعرب وللعالم، وهو الشيء المطلوب منه منذ مؤتمرات الدعم المتلاحقة في روما وباريس، وما تفترضه مقررات مؤتمر «سيدر»، وعندها يصبح الحديث مع الشركاء العرب ملموساً ومجدياً، وإلا ستخيب آمال المتفائلين بإنعاش، لن توفره الكلمات الكبرى التي كان لبنان يحرص على تضمينها بيانات القمم العربية، إلى أن تبين عقم مثل هذه الأدبيات.
كانت الحاجة ملحة إلى نقاش اقتصادي اجتماعي عربي على مستوى القمة، وفي مناخات الأزمة العالمية في نهاية العقد الأول من هذا القرن، نضجت فكرة الاجتماع الاقتصادي الرفيع في اتصالات سعودية كويتية مصرية، واستضافت الكويت القمة الأولى في 2009 بحضور 22 دولة عربية وغالبية القادة العرب. وفي هذه القمة عرضت مشاريع طموحة للنهوض بالأوضاع الاقتصادية العربية عبر تعزيز شبكات التواصل البري والجوي وتنفيذ اتفاقات التكامل وتعزيز التجارة البينية والتبادل الثنائي… كانت الأرقام المعروضة أمام المؤتمرين مخيفة، من حيث نسب البطالة والفقر والأمية، ولذلك كان كل قرار يتخذ بمثابة وعد بالتغيير، وفتحة جديدة في نافذة الانسداد العربي، وتم في تلك القمة الأولى تأسيس صندوق عربي للتنمية دفعت الكويت فوراً مبلغاً ضخماً وهو ما فعلته السعودية والإمارات.
كان المجتمعون وكأنهم يستشرفون الأخطار المقبلة فحاولوا إعداد المضادات الحيوية، إلا أنه مع الموعد المحدد للقمة الثانية في شرم الشيخ بعد عامين كان الانفجار الاجتماعي العربي قد بدأ من تونس، وخيمت أجواء ما يجري في هذا البلد على القمة التي غاب العديد من القادة عنها، فيما كانت مصر البلد المضيف تشهد تغييراً أطيح بنتيجته بالرئيس حسني مبارك بعد أسابيع على اختتامها.
وهكذا عقدت القمة الثالثة في الرياض عام 2013 في خضم شمول الانفجار العربي سورية واليمن وليبيا، وكانت المجزرة في سورية خصوصاً بلغت مداها، فتحول جزء من جدول الأعمال إلى بنود إغاثية.
لم يكن سهلاً نقاش الواقع الاقتصادي العربي والدول العربية فقدت بناها السياسية ومؤسساتها القيادية، وتبين أيضاً أن خطط التكامل لا يمكن أن تنفذ إذا كانت رهينة لرغبات الديكتاتور في هذا البلد أو ذاك، واليوم عندما تعود القمة إلى الالتئام في بيروت سيمثل الواقع المأسوي العربي أمام الحضور، والأرجح أن يتم التأكيد على ضرورة تنفيذ الأفكار الكبرى، إلا أن قرارات مباشرة وسريعة يفترض اتخاذها، مثل ما شهدناه في شأن الدعم المالي أخيراً للبحرين والأردن، وهو ما يفترض أن يسعى إليه اللبنانيون بقيادة حكومة مشروعها الأول لبنان.