Site icon IMLebanon

التخبّط السياسي يُكبّد الإقتصاد ملياري دولار أميركي سنوياً والخاسر الأكبر الصناعة

 

 

لم يعرف لبنان منذ إستقلاله وحتى اليوم ثباتاً سياسياً بما للكلمة من معنى! ففي كلِ مرّة كانت الخلافات السياسية تشلّ حركة البلد وتمّنع وضع وتنفيذ الخطط الإقتصادية. ويُخبرنا التاريخ عن المئات من الخلافات السياسية التي أدّت إلى عدم الثبات السياسي والحكومي والذي بحسب الدراسات يُمكن أن يأخذ أحد الأشكال التالية:

 

أولا عدم ثبات السلطة التنفيذية والذي ينتج عن إنقلاب، أو أزمات حكومية؛

 

ثانيًا عدم ثبات القاعدة الشعبية والذي ينتج عن الإحتجاجات الشعبية مثل الإضرابات، التظاهرات، المواجهات مع القوى الأمنية…

 

ثالثًا عدم الثبات بسبب العنف الناتج عن عمليات عسكرية مثل الحرب الأهلية…

 

وبحسب الباحث أليسينا (1996)، عدم الثبات الحكومي هو ميل الحكومة إلى الإنهيار إن دستوريًا أو غير ذلك، وبالتالي يتُرجّم عدم الثبات هذا بتغيير في أعضاء الحكومة.

 

وتحدّث عن أن حجم الحكومة هو دليل على عدم ثباتها نظرًا إلى أن عدداً كبيراً من الوزراء يعكس إرضاء الأغلبية السياسية وبالتالي هناك إضعاف لفعّالية القرار الصادر عنها. ويقول الباحث إيزو (2015) أن عدم الثبات الحكومي خصوصًا الناتج عن الأزمات السياسية، يؤدّي إلى إظهار توزيع الوزارات على أنه توزيع «للحلوى» مما يؤدّي إلى خلق تململ وأزمات لاحقًا والتي قدّ تؤدّي بدورها إلى شلّ القرارات السياسية.

 

 

التداعيات السياسية لعدم الثبات الحكومي كثيرة! ويبقى الأهم غياب رؤية متناغمة ومتجانسة على مستوى الطبقة السياسية. أمّا على الصعيد الإقتصادي، فيستخدم الباحثون النظريات الإقتصادية التقليدية للإستثمار لتفسير التأثير الإيجابي للثبات الحكومي، حيث أن هذا الأخير يفرض ثقة المُستثمر الذي تُشكلّ قراراته مفتاحاً أساسياً للنهوض الإقتصادي. وبالتالي عدم الثبات الحكومي هو مؤشرّ «موثوق» تستخدمه أهم مكاتب الدراسات العالمية للدلالة على غياب الفعالية الإقتصادية، حيث أنه يؤدّي إلى خلق مفاعيل سلبية في الإقتصاد:

 

اولا مفاعيل «التأخير» التي تُلقي بغموض على السياسات الإقتصادية مما يُغذّي التوقعات السلبية للاعبين الإقتصادين وبالتالي يؤدّي إلى تأجيل أو إلغاء الإستثمارات والإستهلاك ويدّفع إلى هروب رؤوس الأموال إلى خارج البلد بحثًا عن مناخ إستثماري أكثر ثباتًا، بالإضافة إلى هروب الأدمغة بحثًا عن فرص عمل!

 

ثانياً مفاعيل «الإنقطاع» حيث أن عدم الثبات الحكومي يؤدّي إلى إنقطاع في السياسات الإقتصادية وتعمد كل حكومة أو وزير إلى نقض سياسات سلفه!ويقول الباحث بونزا (2015) أن نجاح أي خطّة إقتصادية يتطلّب أكثر من 4 سنوات وبالتالي فإن عدم الثبات الحكومي يؤدّي إلى الحدّ من فعالية الخطط الموضعة!

 

واللافت في لبنان أن هناك 13 حكومة تعاقبت على السلطة منذ إتفاق الطائف أي ما يُمثّل حكومة كل سنتين وثلاثة أشهر تقريبًا. وهنا تبرز مُشكلة أن هذه المدّة غير كافية للقيام بأية خطط إقتصادية (إذا ما وجدت) والحكومات المُتعاقبة لا تُكمل في نفس السياسات التي وضعتها الحكومات الأخرى! والأصعب يبقى أن العمر السياسي للمسؤولين هو عمر طويل نسبة إلى باقي الدول مما يؤدّي إلى فقدان الحوكمة الرشيدة التي تُعتبر من أهمّ أسس الديموقراطية.

 

في المقابل، الأداء الإقتصادي السيىء بحدّ ذاته يؤدّي إلى إحتجاجات شعبية ويفرض عدم ثبات حكومي مما يعني أن التأثير هو في الإتجاهين!

 

وتُشير دراسة الباحث إيزو إلى أن الإستثمارات الأجنبية المباشرة، إيرادات الخزينة، والنشاط الصناعي، هي القنوات الأساسية التي تنتقل عبرها مفاعيل عدم الثبات الحكومي إلى الإقتصاد! هذا الواقع يُبرّر إلى حدٍ بعيد التردّي الإقتصادي الواضح في لبنان والذي هو بتراجع مُستمرّ منذ العام 2011 نظرًا إلى تراجع الإستثمارات الأجنبية المباشرة، إيرادات الخزينة (مقارنة بالإنفاق العام)، والصادرات الصناعية.

 

إضافة إلى الواقع العلمي هذا، هناك واقع خاص بالحياة السياسية اللبنانية وهو المدّة التي يتطلبها تشكيل الحكومات والتي تخطّت في بعض الأحيان التسعة أشهر! فخلال فترة تصريف الأعمال، يُمكن القول أن الحكومات لا تجتمع وبالتالي يُصبح البلد في حالة غموض كبيرة تنعكس تلقائيًا على الماكينة الإقتصادية من باب ثقة اللاعبين الإقتصاديين وتجعل من الخسارة مزدوجة (خسارة ناتجة عن الخسائر المالية المباشرة، وخسارة ناتجة عن غياب الفرص الإقتصادية). من هذا المُنطلق يُطرح السؤال عن قيمة الخسارة التي تطال الإقتصاد اللبناني في كل مرّة يمرّ لبنان بأزمة حكومية؟

 

الأرقام تُشير إلى ان الخسائر تبدأ في القطاع الخاص وتنتقل إلى القطاع العام. فمُعدّل خسائر القطاعين الصناعي والزراعي تفوق الـ 30% في الفترة المُمتدّة من العام 2013 وحتى العام 2019 مما يعني أن الإقتصاد يُسجّل خسائر بقيمة 850 مليون دولار سنويًا! وإذا ما أردنا إحتساب الخسائر غير المباشرة (وهو أمر مُعقّد)، يتوجّب القيام بتقديرات عبر مقارنة نمو القطاعات في الدول ذات الخصائص المُشتركة مع لبنان والتي تتمتعّ بثبات سياسي. هذا الأمر يوصلنا إلى أن الخسائر الإجمالية بأقلّ تقدير تفوق الملياري دولار أميركي سنويًا!

 

إذًا ومما تقدّم نرى أن عدم الثبات السياسي له تداعيات كبيرة على الإقتصاد اللبناني وعلى المالية العامة (من باب الإيرادات). وبالتالي توصي دراسة إيزو (صفحة 18) إلى ضرورة:

 

أولا وقف المحاصصة السياسية والتي تمنع القيام بأية عملية إنمائية مع التشديد على أهمّية تطابق إختصاص الوزراء مع وزراتهم؛

 

ثانيا وضع رؤية سياسية موحّدة بهدف القضاء على أسباب الخلافات السياسية التي تعتبر مصدر التراجع الإقتصادي؛

 

ثالثا ضمان الثبات الحكومي بهدف الحصول على فعّالية للإصلاحات والخطط الإقتصادية.

 

إذا ومما تقدّم نرى أن هناك ضرورة قصوى لتشكيل الحكومة في أسرع وقت نظرًا إلى التحدّيات المالية والنقدية الحالية ولكن أيضًا نظرًا إلى الخسائر التي تطال الإقتصاد كل يوم نتيجة هيكلية الإقتصاد ونتيجة أزمة الدولار.