مرّ خبر اجتماع مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري مع المندوب السعودي عبد الله بن يحيى المعلمي مرور الكرام، حيث نُقل عن مصادر ديبلوماسية غربية متابعة في نيويورك، أنّ الجعفري شارك في إحتفال خاص أُقيم على شرف وزير الدولة السعودي فهد بن عبدالله المبارك، تحضيراً لرئاسة السعودية للاجتماع المقبل لمجموعة العشرين. وفي هذا الخصوص أشارت مواقع الكترونية، أنّ المسؤولَين السعودييَن عبّرا خلال الإحتفال عن محبتهما لسوريا، مؤكدَين أنّ ما شهدته العلاقات بين البلدين ليس سوى سحابة صيف ستمرّ حتماً. وبعد زيارات رسمية قام بها مسؤولون في النظام إلى الرياض، قالت صحيفة «الوطن» السورية شبه الرسمية، إنّ «الحكومة السعودية تمدّ يد المصالحة نحو دمشق» بعد سنوات من القطيعة الرسمية.
سبق الخطوة السعودية، خطوة إماراتية مماثلة، حيث اعتبر القائم بأعمال دولة الإمارات العربية المتحدة في دمشق، المستشار عبد الحكيم إبراهيم النعيمي، أنّ العلاقات بين بلاده وسوريا «متينة ومتميزة وقوية».
وخلال حفل استقبال في مناسبة العيد الوطني للإمارات العربية في سفارتها بدمشق، أعرب النعيمي عن أمله في أن «يسود الأمن والأمان والاستقرار ربوع الجمهورية العربية السورية تحت القيادة الحكيمة».
العلاقة بين عمّان ودمشق تتنقل بين الوتيرتين البطيئة والسريعة، ويرى مراقبون أنّ الطريق شبه سالك لعودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب. وبدا التقارب الأردني ـ السوري واضحاً من خلال خطوات متسارعة؛ فقد رفعت عمّان التمثيل الديبلوماسي في سفارتها بدمشق عقب تعيين ديبلوماسي أردني برتبة مستشار كقائم بالأعمال بالإنابة، في كانون الثاني الماضي. وتمثلت آخر خطوات التقارب الثنائي بدعوة رئيس مجلس النواب الأردني البرلمان السوري الى مؤتمر اتحاد البرلمان العربي، الذي عُقد في عمّان أخيراً، بعد سنوات من غياب المقعد السوري عن اجتماعات الاتحاد، إثر تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية.
السؤال المطروح اليوم هو، اين لبنان مما يحصل؟ فالملاحظ انّ الدول التي كانت من أشدّ المعارضين للنظام تعاود حياكة العلاقات مع سوريا مراعاة لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وما زال لبنان يصرّ ان يكون ملكياً أكثر من الملكيين. رافضاً حتى الدخول في حوار مع الحكومة السورية حول البديهيات مثل المعابر البرية ورسوم الترانزيت وملف اللاجئين السوريين، الذي يُعتبر الملف العبء على الدولة اللبنانية الغارقة في أزمة مالية حادة.
يبدو انّ الدول العربية بدأت ترفع الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة، فلماذا يبقى لبنان الوحيد الذي يتحمّل تداعيات المواقف السياسية؟ وألن نتعلّم ان نفصل المصالح الحيوية والاقتصادية عن الامور السياسية؟
يُعاني لبنان حصاراً منذ اندلاع الحرب السورية مع كلفة تصدير بحري مرتفعة. فالطرق السورية وطرق الشحن البرية حيوية بالنسبة الى الصادرات اللبنانية إلى منطقة الخليج والعراق والتجارة الإقليمية عموماً. وبسبب خروج عدد كبير من هذه الطرق عن الخدمة بسبب الحرب السورية، اضطر الصناعيون والمزارعون والتجار اللبنانيون إلى تغيير سير أعمالهم وشحن المزيد من بضائعهم عبر البحر الأبيض المتوسط، وهو ما جعل تجارتهم أقل كفاية وأكثر استهلاكاً للوقت. ورغم عودة المعابر الى العمل، لم تبادر الحكومة اللبنانية الى التواصل مع سوريا لخفض أكلاف الترانزيت على المصدّرين اللبنانيين.
طلبت وزارة المال السورية من مديرية الجمارك العامة شطب كل الرسوم والبدلات الإضافية المفروضة على عبور الشاحنات الأردنية إلى سوريا، بما فيها رسم فارق سعر المازوت وأجور القبّان والعتالة وبدل استخدام السكانر، وغيرها من الرسوم، كذلك أصدرت قراراً أعفت بموجبه الشاحنات العراقية من الرسوم المفروضة على دخولها الأراضي السورية عبر بوابة البوكمال ـ القائم.
انّ فتح المعابر وتسهيل الدخول الى الاسواق العراقية هما إنعاش حقيقي للصناعة اللبنانية التي ترزح اليوم تحت شتى الضغوط والعراقيل. انّ استمرار دفن الرؤوس في الرمال وعدم قراءة التحولات الحاصلة هما جريمة في حق لبنان واقتصاده. يكفي لبنان ان يبقى ورقة ضغط سياسية يتقاذفها اصحاب الأجندات السياسية الاقليمية على حساب لقمة عيش المواطن اللبناني وازدهار اقتصاده. يجب ان يكون عنوان المرحلة المقبلة اقتصادياً بحتاً، وان يكون كل ما يخدم الاقتصاد اللبناني متاحاً. فيكفي لبنان فرصاً ضائعة، ويكفيه ان يحمل تبعات الأزمات في المنطقة، وان يتمّ تغييبه حين تتوافق الاطراف على تنمية مصالحها الاقتصادية.
في المرحلة المقبلة، يجب ان يكون لبنان في قلب المعادلة لإعادة اعمار سوريا، وفي خضم علاقات تخدم الاقتصاد اللبناني. ومن يعمل لغير ذلك الهدف يكون مجرماً في حق آلاف الشبان الذين ينتظرون فرص عمل ليعيشوا بكرامة في وطنهم.
انّ المطالبين اليوم بمقاطعة سوريا، خدمة لمواقف سياسية، ينحرون الاقتصاد اللبناني ويغتالونه. السيادة الحقيقية تكون في خلق اقتصاد قوي ومنتج يخلّصنا من التبعيات السياسية والاستثمارات السياسية.
أطلقت الصناعة هذا الاسبوع الصرخة الاخيرة، صرخة تَشَارك فيها العمال واصحاب العمل، لإيمانهم بأنّ الإنتاج هو كرامة هذا الوطن. فليكن الإنتاج عنوان المرحلة المقبلة. وأي خطوة تخدم تطوير الانتاج والتصدير في البلد هي مقدّسة.