عندما تصرخ فائزة رفسنجاني ابنة هاشمي رفسنجاني “قلعة” النظام في إيران حتى وفاته، “النظام انهار من المحتوى لكن لم يحدث انهيار ظاهري وواقعي… ما يحدث اسوأ انواع الانهيار”، فإن هذه صرخة يأس وتحذير، تشبه الكثير من صرخات من صرخوا من المسؤولين والمثقفين الروس والسوفيات قبل انهيار الاتحاد السوفياتي ولم تسمع حينها صرخاتهم، حتى اذا وقع “الزلزال” وأطاح بالمنظومة كلها من النظام الى الأيدولوجية الى الحزب بدا الانهيار عظيماً ومشاهد “اليتامى” المشتتين والضائعين كارثية… أخطر ما في هذه الصرخة التي وردت على الصفحة الاولى لصحيفة “مستقل”، انها تأتي قبل أربعين يوماً من احتفالات الذكرى الأربعين للثورة…
لا شك ان تحذير فائزة لم يبقَ يتيماً، اذ تزاوج مع اعلان الوزير الظريف جواد ظريف ايضاً في توقيت على الأرجح مقصود لانه قبل الانخراط في الاحتفالات بالذكرى الأربعين للثورة اذ أكد: “لم يقل احد منا بتدمير اسرائيل”… الظريف ان الامام الخميني قال “ان اسرائيل سرطان يجب ان يقتلع” ولم يقل على يد ايران… بهذا تخلصت الجمهورية الروحانية من اعباء هذه المهمة؛ المهم كيفية إقناع قائد فيلق القدس من متابعته فتح الطريق الى القدس عبر دمشق وبغداد وصنعاء…
حكومة الرئيس حسن روحاني “فشلت” كما تقول فائزة رفسنجاني، والارجح ان هذا صحيح رغم كل الجهود التي بذلها ويبذلها، وإذا كان روحاني مسؤولا عن هذا الفشل بعيدا عن حجم مسؤوليته فلا شك ان المسؤول الأكبر هما الى جانبه اثنان: المرشد آية الله علي خامنئي والحرس الثوري بكل قيادته التي باتت تعيش على وقع الزحف الى الأعلى فالأعلى في السلطة.
الرئيس روحاني رغم شطحاته في المزايدة على المتطرفين خصوصا من قيادة الحرس الى درجة انخراطه في الحملة “لتمريغ أنف ترامب بالتراب”، الا انه يحاول العودة الى الاعتدال عبر رؤية واقعية، من ذلك انه قرر”تخفيض ميزانية الدفاع للعام الشمسي القادم الذي يبدأ في العشرين من آذار من العام القادم الى النصف لتبلغ 36 مليار تومان بدلا من71 مليار تومان، رغم ذلك فإنه كما يبدو لن ينجح لأسباب كثيرة…
بداية ان القرار النهائي هو بيد المرشد خامنئي الذي يبدو مشغولا بمشروعين: الاول استكمال مخططه في الدفاع عن ايران والنظام من خارج الحدود، اي العراق وسوريا ولبنان، حتى ولو كلّف ذلك ايران مواجهات ضخمة وحصارات واسعة مع الولايات المتحدة الاميركية وتدمير دول جارة بكاملها كان من المفترض ان الثورة قامت لتكون خير حليفة لها في المواجهة الكبرى مع اسرائيل على طريق تحرير فلسطين … والثاني في تأمين خليفة له من محيطه ومريديه حتى لا يفتح ملفات قديمة حوله وحول ابنه مجتبى وكامل الآلة التي أدارت البلاد الى جانبه . الخوف الكبير ان يكون الطريق مفتوحا امام الرئيس حسن روحاني او مثله. ولا شك ان وفاة آية الله شاهرودي تريح هذا التوجه علما ان حظوظ شاهرودي بالخلافة تراجعت كثيرا مع صعود التيار القومي. اذ ان شاهرودي النجفي بالولادة لم ينجح في التخلص من مشكلة انه بقي يلحن فارسياً، اي انه يلفظ الواو واو والحاء حاء مثل العرب… القرار الملفت الذي اخذه خامنئي بصمت هو تعيين رجله ابراهيم رئيسي قاضياً للقضاة مكان صادق لاريجاني القوي مع شقيقه علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى والذي فاحت رائحة فساده في ارجاء طهران . والآن بانتظار الخطوة “الخامنئية” التالية لمعرفة وجهة مساره تحضيرا لخلافته…
بعد أربعين عاما على الثورة وإنشاء “الحرس الثوري” لحمايتها، يتقدم هذا التنظيم عبر عسكرة النظام نحو الاستيلاء عليه مباشرة او تحت عباءة مرشد يصنعه ويسوّقه خليفة صالحاً لخامنئي واسماً وموقعاً يخفي حضوره الطاغي… لا احد يعرف في ايران الى اين ستصل سياسة التصنيع العسكري في وقت يعلن فيه روحاني: “نحن نواجه حربا اقتصادية ونفسية يجب العمل على تحسين الحياة المعيشية للشعب وبالتالي خفض الأسعار وبالتالي التكلفة المعيشية للمواطن عبر خفض الأسعار”. خلال الأسابيع القليلة الماضية اقدم الحرس على تصنيع جيل جديد من الغواصات آخرها واحدة بزنة 1300 طن وثلاث مدمرات واحدة منها تحمل مروحيات والعمل لتصنيع 176 وحدة سفن… الخ، والارجح انه توجد مشاريع ضخمة في مجال تصنيع الطائرات خصوصا منها الطائرات من دون طيار…
عندما انتخب حسن روحاني رئيسا للجمهورية كان على اطلاع كامل على تجربة الرئيس محمد خاتمي، ولذلك كان يؤشر بطريقة غير مباشرة الى انه سيكون دينغ كسياو بنغ ايران وليس غورباتشوف ايران… يبدو انه في كل يوم تضيق خياراته ليقف أعزل امام “الزلزال” القادم…