هل نحن على حافّة «الذهاب إلى انتفاضة مسيحيّة»؟ هذا أقلّ ما توصف به أجواء الأمس الضاغطة، ثمّة أجواء «قذرة» و»مخيفة» محدقة بلبنان، والمخيف في هذه الأجواء أنّه ما بعد يوم الخميس لن يكون كما قبله، وعلينا أن نخاف من «النّدم» عندما نكون قد بلغنا مرحلة «عندما لا ينفعُ النّدم»!!
كثير من اللبنانيّين مسلمين ومسيحيّين ـ وأنا منهم ـ خائفون من تدافع الأحداث، لأول مرّة منذ العام 1975 أشعر بأنّنا على حافّة أمر خطير قد نعرف بدايته ولكن لن نتمكّن من معرفة نهايته، وأتساءل: أليس من الأفضل «سدّ الذرائع»، كما يقول الفقهاء، وسحبُ فتيل التفجير بالتوصّل إلى صيغة تسوويّة حول قانون انتخابي جديد، تُنهي هذا الأجواء المأساويّة التي تُغرق البلاد في ظلام دامس؟!
«حرااام» ما تفعلونه باللبنانيين، أين ذاكرتكم يا جماعة 14 آذار، هل تريدون فرط عقد «ثورة الأرز» واللبنانيّون «مسلمين ومسيحيين» هم من صنعها من قبل أن تلحق بهم بركبهم القيادات السياسيّة، ألا تذكرون أجواء فرض الإحتلال السوري لـ»قانون انتخابي» لإخراج رفيق الحريري مهزوماً في شباط العام 2005، ووضعه في مواجهة المسيحيين فما كان منه إلا أن قصد البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وأوفد «رُسُله» إلى يسوع الملك لينقلوا رسالة إلى ستريدا جعجع؟!
عشر سنوات فقط، عقدٌ من الزّمن، «ما حلّكن تنسوا»، أجواء الأمس «مفزعة»، ففيما حافظ الرئيس نبيه برّي على صوت العقل ـ مع اعتراضي الكامل على «ألوهيّة» خلْقِه للميثاقيّة، ولغة «الخلق» هذه باتت موضة في اللغة السياسيّة ـ ومثله فعل الدكتور سمير جعجع في تعويله على حكمة الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل وإعلانه أن لا بديل عن اتفاق الطائف، علا صوت التصعيد في أماكن أخرى، بالأمس أطلق النائب فريد مكاري كلام نتمنّى أن لا يكون ينطق به بالنيابة عن أحد، ففيما كانت كتلة المستقبل و»ببرود» بيان مقتضب لا يتناسب مع الأجواء الملتهبة في لبنان تعلن أنّها ستبقي اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات و»تدعو جميع القوى السياسية الى بذل الجهود اللازمة بما يحفظ الأمن الاقتصادي والنقدي للمواطنين والوحدة الوطنية في آن معاً»، جاء تصريح النائب فريد مكاري ليطلق النّار على القوات اللبنانيّة الحلفاء المفترضين لتيار المستقبل إذ قال: «النية من إعلان النوايا بين التيار الوطني الحر والقوات كانت إلغاء الآخرين وبعض نواب القوات وصلوا بأصوات غير مسيحية»، «شو هالحكي المعيب» من يريد إلغاء من؟ وما هذا الغمز «الإلغائي ـ الفتنوي»؟! هذا كلام يحتاج إلى التوقّف عنده ووزنه بميزان ومحاسبة قائله، إذ ما الفرق بين لغته وبين لغة حزب الله؟!
لغة «التغبير على الصبابيط» زادت البلد تشنجاً وجاءت مصحوبة بالتهديد والوعيد بأن «لا يستطيع احد ان يمنعنا من إقرار قانون جديد للانتخابات الذي اصبح عمره 7 سنوات»، مع أنّ قانون الستين كان مطلب مطلق الكلام وأتى به من الدوحة، وعلى متن «غزوة بيروت» في 7 أيار العام 2008، كلّ هذا إلى أين سيقودنا؟! وماذا لو خرجت الأحزاب المسيحيّة الثلاثة معاً إلى الشارع رفضاً لإقصائها عن حقّها وتمثيلها الحقيقي للشارع المسيحي الحقيقي؟!
بالأمس؛ كان سؤال كبير يلوح في الأفق: مع من سيتحالف تيار المستقبل إن ذهب من دون حليفه الحقيقي حزب القوات اللبنانيّة إلى المجلس النيابي غداً الخميس؟! هل سيتحالف مع حزب الله مثلاً؟ وكيف يأمن التفريط بحليفه الحقيقي في أحلك أوقاته، فيما حلف حركة أمل وحزب الله معقود منذ العام 2006 أيام «الحكومة البتراء»؟! أين ذهبت معادلة «س ـ س» الخاصة «سعد ـ سمير» ـ أو العكس؟! أين ذهب كلّ الكلام الذي حقّق ما منع الاحتلال السوري طوال ثلاثين عاماً تحقّقه وأراد القضاء عليه فقتل رفيق الحريري؟! أين ذهب حديث «لا يُفرّقني عن حلفائي إلا الموت»؟!
إسمحوا لي، ما شهدناه بالأمس يقودني إلى مخاوف حقيقيّة، أخاف أن يصل الرئيس سعد الحريري إلى لحظة يقول فيها تلك الحكمة: «أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض»، هذه لحظة اجتهد بشّار الأسد سنين ليصل إليها، لعزل سعد الحريري عن حلفائه، وكذلك إيران، وفي عزّ هذا الغبار الذي يحجب الرؤيا، أتوجّه أنا المواطنة اللبنانيّة المسلمة السُنيّة إلى دولة الرئيس سعد الحريري، وأتمنّى عليه أن يعود اليوم إلى لبنان، وأن يُنقذ اتفاق الطائف الذي إن عبرنا عتبة الخميس من دون ذهابنا معاً نحن والكتل المسيحيّة إلى الجلسة التشريعيّة، سنكون وقعنا فريسة في فخِّ «هذا أمرٌ دُبّر بليل»، واسمح لي يا دولة الرئيس، لبنان يحتاجك اليوم أكثر من أيّ يوم مضى، في لحظةٍ لا أحد منّا يُريد فيها أن نرى بشّار الأسد ـ وهو يسقط ـ وإيران وحزب الله يحقّقون مبتغاهم تحت قبّة البرلمان اللبناني!!