من يفترض أن يخاف من الاعتصام الحاشد الذي نفّذه أساتذة التعليم الرسمي أمس: وزير التربية، أم المكاتب التربوية للأحزاب؟ فقد لبّى الأساتذة دعوة روابطهم إلى الاعتصام… ليهتفوا ضدّها. الحشد الذي لم تشهده الاعتصامات السابقة، منذ بدء الأزمة، لم يمنح شرعية للروابط الداعية إليه، بل وجّه رسالة صاخبة يؤمل أن يسمعها المعنيون
نفّذ الأساتذة أمس، بناءً على دعوة روابط التعليم، عدداً من الاعتصامات أمام المناطق التربوية في زحلة، بعلبك، الشمال والهرمل، ونُظّم اعتصام مركزي أمام مبنى وزارة التربية سعى نحوه الأساتذة من الجنوب وجبل لبنان وبيروت، وحضره المعلّمون بمختلف تسمياتهم الوظيفية من ملاك ثانوي وأساسي، ومتعاقدين، وكانت لافتةً أيضاً مشاركة عمال المكننة و«المستعان بهم» في الاعتصام.
إذاً، جمعت صورة الاعتصام مختلف عناصر الأسرة التربوية كأفراد، بحشد استثنائي، إذ اقتصر الحضور في السّابق على العشرات. امتلأت باحة وزارة التربية باكراً، وقبل موعد الاعتصام، بأهلها الغاضبين من «إهمالٍ امتدّ لثلاث سنوات»، و«مصادرة أصواتهم مطلع العام الدراسي الحالي». هذا لجهة الأساتذة، أمّا روابط التعليم فشاركت على مستوى رؤساء الهيئات الإدارية في المهني والأساسي، وفي الثانوي حضر نائب الرّئيس بعد استقالة رئيسة الهيئة الإدارية ملوك محرز الأسبوع الماضي. ورغم الصورة الحاشدة، إلا أنّ المطالب تشتّتت بحسب الانتماء الوظيفي، وتقاطعت عند نقطة واحدة «لا عودة من دون تصحيح الأجور».
باعونا بـ5 دولارات
لم تنتظر أستاذة مادة الكيمياء طويلاً، فمشهد توافد أعضاء الهيئات الإدارية في الرّوابط نحو المنبر «يستفزّها». وما إن بدأ سايد بو فرنسيس، رئيس الهيئة الإدارية لرابطة المهني كلمته، حتى صرخت الأستاذة «الحكي للأساتذة لا للروابط». وقع كلامها جاء كعود ثقاب في برميل بارود، فتعالت صرخات الأساتذة المستنكرة، وتزاحموا حول المنبر حاملين شعاراتهم الداعية لـ«رحيل الروابط»، محاولين مقاطعة المتكلّم بنداءات «شبعنا حكي، باعونا بـ5 دولارات». هذه التحرّكات وتّرت بعض المحيطين بالمنبر، من أعضاء الروابط، ودفعت ببعضهم إلى التلاسن مع المحتجين طالبين منهم «فتح المجال للمتكلّمين، وطلب التكلّم بالنظام»، وبعد فشل جهود إقناع الأساتذة بالهدوء، وتمرير الاعتصام، لم تُستكمل الكلمات، واقتصرت على المهني فقط (رابطة ومتعاقدين)، ما أظهر الانقسامات بين الأساتذة الراغبين بإسكات الروابط وبين الذين يريدون استكمال الاعتصام.
اللافتات التي رُفعت تؤكد رفض الأساتذة لروابطهم، فوقف أحدهم خلف المنبر حاملاً شعاراً يقول: «فلترحل روابط الخنوع»، فيما صرخت أستاذة تعليم ثانوي من منطقة جبل لبنان رافضةً «الإهانات التي تسبّبت بها الرابطة، وتزويرها للأصوات». وعن سبب تلبيتها دعوة الروابط للاعتصام تقول: «لا نتظاهر باسم الرّابطة، بل منعاً لمصادرة أصواتنا»، وتشير أخرى كانت تتقدّم نحو المنبر أيضاً إلى «لحاق الرّوابط بالأساتذة نحو الإضراب»، وتضيف بحنق: «نحن نعلّم ونتعب، وهم يتحكّمون بقرارنا. لا نريد أن نسمعهم».
الدولة مسؤولة
وكان بو فرنسيس قد أشار في كلمته إلى «معاناة الأساتذة المستمرة منذ بداية الأزمة منذ ثلاث سنوات»، مؤكّداً «عدم رغبة الروابط في سماع الكلام، بل مشاهدة الأفعال»، وشدّد على «ضرورة تصحيح الرواتب، بكلّ شطورها التي لا يزال بعضها يُحتسب على الـ1500 كالتعويض العائلي»، بالإضافة إلى «تغطية فرق الاستشفاء، والعمل على ربط بدلات النقل بسعر متحرّك لصفيحة البنزين، وتحديد سعر محدّد لدولار صيرفة يكون خاصاً بالقطاع التعليمي». وفي حديث خاص مع «الأخبار» حمّل بو فرنسيس «وزارة التربية مسؤولية التعامل مع الجهات المانحة»، وأعاد التأكيد على «أنّ الأساتذة بمختلف فئاتهم موظفون لدى الدولة اللبنانية، وهي مسؤولة عن رواتبهم»، مشيراً إلى «أن الرواتب المضاعفة للأساتذة لا تزال متدنّية، ولا تكاد تكفي ثمن طعام لعائلة»، متسائلاً عن «كيفية تأمين الأستاذ لمعيشة كريمة».
النقابيون يوجّهون
وتعليقاً على رفض الأساتذة وثورتهم على روابطهم، يرى النقابي محمد قاسم في هذه التحرّكات «تحرّراً من الموانع الحزبية، والتسلّط التربوي، وقدرةً على فرض الرأي المغاير في ظلّ قيادة لا تلبّي أقلّ المطالب»، ويعيد سبب الحشد الكبير للأساتذة إلى «التمسك بالتعليم الرسمي، والحرص عليه»، من دون أن ينسى الإشارة إلى قلق الأساتذة من أمرين، الأول «اقتصادي»، والثاني «تربوي يتعلّق بمصير العام الدراسي». ويطلب قاسم من الروابط «القبول بإعادة التشكيل، إنقاذاً للتعليم الرسمي».
وفي الاعتصام أيضاً يحضر النقابي فؤاد إبراهيم، العضو المستقيل من رابطة التعليم الثانوي الحالية، الذي حدّد الهدف الأساس «تصحيح الأجور، وكل ما عدا ذلك لهو»، مضيفاً أنّ «الموالاة والمعارضة تخطئان لأنّهما تصرفان المعركة الكبرى عن هدفها، في ظلّ فوضى نقابية تسحب الأساتذة نحو القعر».
تقاطعت مطالب الأساتذة عند نقطة واحدة هي اللاعودة دون تصحيح الأجور
على الأرض، تتفاوت مطالب المعتصمين بحسب انتماءاتهم. سلام حرب أستاذ التعليم المهني يروي معاناةً كبيرة في المهنيات، فيشير إلى «قيامهم برسم الفروج على اللوح لغياب التمويل التشغيلي اللازم لتجهيز المختبرات»، ويرى «عدم إمكانية للعودة إلى التعليم قبل تأمين الموازنات التشغيلية الأساسية، وتعديل رواتب الأساتذة».
وموظفو المكننة يأسفون لـ«ضياع مطالبهم في صراع الفيلة» كما يعبّر أحدهم، وتشير أخرى إلى «بقائهم في البيوت دون عمل خلال الإضرابات»، وتشتكي من «النسيان المزمن لحقوقهم، على الرغم من أنّ نتائج الامتحانات لا تصدر لولا جهودهم»، وتضيف: «نحن نعمل صيفاً وشتاءً في المدارس». أما المستعان بهم فيحملون مطالب من «سنة لأخرى»، إذ «لم يقبضوا بعد مستحقات العام الماضي»، بالإضافة إلى نسيان قضيتهم في كلّ الخطابات.
صخب الملاك
أساتذة الملاك، بفروعه كافة، (مهني وثانوي وأساسي)، كانوا الأكثر صخباً ووضوحاً لناحية «رفض العودة قبل تصحيح الأجور»، فيؤكّد حسن خضر مدير ثانوية حسين مكتبي «حرصه على استكمال العام الدراسي»، محمّلاً الدولة مسؤوليته لا الأستاذ، إذ يجب أولاً «تمكين الأستاذ مادياً كي يستكمل شهره مادياً دون استدانة»، ويرى خضر في الحوافز «فكرةً مهينةً». وعن الحشد الكبير في الاعتصام، يؤكّد وليد الطفيلي الناظر في الثانوية ذاتها «بقاء الهيئة الإدارية تحت المجهر، والتواجد على الأرض هو لإعادة الاعتبار للأساتذة، من دون أن تكون للأمر أبعاد سياسيّة».