خاضت جريدة «الشرق» ما سمّيناه، في حينه، «معركة وحدة القرار المسيحي»، ليس من منطلق طائفي على الإطلاق، فقط من منطلق وطني، باعتبار أن وحدة هذا القرار في القضايا الوطنية هي مدخل للقرار الوطني الشامل، وأقله للتوازن الوطني الذي كان مفقوداً جداً قبل «ورقة معراب» وما ترتب عليها من نتائج قلبت الكثير من أجزاء «المشهد» الذي كان قائماً (بل مهيمناً) منذ التسعينات حتى الأسابيع الماضية.
وأعترف، اليوم، بأنّ هذه الزاوية حملت همّاً كبيراً عندما كان يبدو (في الظاهر على الأقل) أنّ المباحثات بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر تواجه عقبة حيناً أو تتعثر حيناً آخر، أو تغرق في «استراحة» طويلة أحياناً.
وكثيراً ما وضعنا الفريقين أمام تحديات الحاضر مقرونة بتجارب الماضي ومخاوف الآتي في التاريخ القريب (والبعيد أيضاً). الى أن كانت زيارة الجنرال ميشال عون الى معراب التي تكلّلت بورقة التفاهم… وقد راح أقربون وأبعدون يفركون أعينهم ليتأكدوا ما إذا كان المشهد حقيقياً أو لعلّه من وحي الخيال.
أمس، وفي معراب، بدا «الحكيم» متمسكاً بذاك الحدث الذي أدّى، فعلاً الى قلب الموقف. تحدّث عنه بإيجابية تلامس المبالغة، وليست مبالغة، لأنّ ما ترتب عليه من نتائج يمكن تلمسه بوجود الجنرال في القصر الرئاسي. أكد «الحكيم» أنه غير نادم لحظة واحدة… و«لأول مرة بحسّ انو قدرنا نعمل شي للبلد (…) لم تكن مجازفة أبداً (…) (حديث رئيس حزب القوات اللبنانية في غير مكان من هذا العدد).
إنه، فعلاً، الحدث الذي غيّر المعادلة، والذي أسقط مفاهيم وأقام على إنقاضها حالاً مختلفة، والذي أعاد التوازن بعد طول فقدان… والأهم من ذلك كله، في تقديرنا، أن حدث معراب أعاد آمالاً (مهما كانت ضئيلة)، الى شريحة وطنية هي في أساس تكوين لبنان، أي المسيحيون، الذين كانوا غارقين في لجة اليأس، وهم أبناء الرجاء… ما أدى الى إستنزاف فظيع في أوضاعهم وعديدهم وحتى الإنتماء الى الدولة (ولا نقول الى الوطن). وهو إستنزاف كان المسلمون العقلاء، وما أكثرهم، أول من حذّر منه ودعا الى وقفه، إن لم يكن رحمة بالمسيحيين فرحمة بهذا الوطن الصغير المعذّب الذي يحمل على منكبيه آثام هذه المنطقة وخطايا العالم قاطبة، ويمشي حافياً على حد السيف: سيف التزمت والأنظمة التوتاليتارية، وفقدان الديموقراطية، والتحجر حتى التعفّن في الماضي السحيق على حساب حق الإنسان في الحرية والكرامة! خصوصاً حقه في الحياة ورغدها وهنائها ومستلزماتها كافة مجبولة دائماً بالحرية والكرامة.
هل شطحنا بعيداً؟
كلا، فالمعجزة التي حققها ميشال عون وسمير جعجع أروع ما فيها أنّ مفاعيلها مستمرة، وانها باتت في وجدان الناس، وفي نبضات القلوب.