حرب سوريا على مسافة أيام من دخول عامها السابع. وبيان جنيف – ١ الذي رسم بتفاهم الكبار والأمم المتحدة أساس الحل السياسي وخارطة الطريق للتوصل اليه، يكمل في حزيران المقبل عامه الخامس. لكن الحرب حيّة والبيان ميت. فالحرب مضت في مسار تصاعدي عنيف، وازدادت تعقيدا عبر تعدد اللاعبين من الداخل والخارج. ومضمون الحل السياسي في البيان أخذته الحسابات الباردة في مسار تنازلي وصل حتى الآن الى القرار ٢٢٥٤ الصادر عن مجلس الأمن، وبقي الحلّ غائبا.
ولا شيء يوحي ان معاودة المحادثات في جنيف – ٤ بعد نحو عام من الفشل المدوي لمحادثات جنيف – ٣ تعني تبدلا في مواقف الهرب من تعلم دروس التجربة المدمرة. وأبرز دروسها اثنان: أولهما الحاجة الى الاقتناع بأن الحل العسكري مهمة مستحيلة. وثانيهما التسليم بأن التحايل على الحل السياسي الممكن والضروري للحفاظ على وحدة الأرض والشعب في دولة ديمقراطية يقود في النهاية الى العجز عن ترتيب أية تسوية سياسية حتى بالحد الأدنى لتكوين سلطة.
ذلك ان المشهد في جنيف هو الوجه الآخر للمشهد على الأرض وفي الكواليس الدولية. ولولا الضغط الروسي بسبب حاجة موسكو الى استعجال تسوية على قياس مصالحها، لما ذهب أحد الى محادثات يعترف الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا الذي مهمته انجاحها بأن الاختراق مستبعد. فاللاعب الروسي هو الذي يدير اللعبة. والغائب بالمعنى الاستراتيجي هو اللاعب الأميركي شريك اللاعب الروسي، بسبب الفوضى التي تضرب ادارة الرئيس دونالد ترامب وفقدان ما يبحث عنه دي ميستورا: استراتيجية أميركية واضحة للحل السياسي. المعارضة تتمثل عمليا بثلاثة وفود. والنظام يبعث برسالة معبّرة من خلال إبقاء رئاسة وفده للسفير بشار الجعفري الذي يلعب دور حارس المرمى في ردّ الضربات عنه في الأمم المتحدة ويدير السجال ببراعة بعيدا من الحوار.
والجغرافيا ناطقة بأكثر من الدور العسكري المباشر لأنقرة في الشمال السوري، والتفاهم الروسي – التركي، ودور معركة حلب في تقوية موقع النظام وإضعاف موقع المعارضة. فالسيطرة على الأرض تحدّد أوراق اللعبة. وهي، حسب الجغرافي فابريك بالانش في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، موزعة كالآتي: ١٣% للمعارضة المعتدلة، ٣٤% للنظام وحلفائه، ٣٣% لداعش وفتح الشام، و٢٠% للكرد. وهذا ليس وضعا ملائما لأية تسوية سياسية، على افتراض ان هناك ارادة. فلا الاتفاق الصعب بين النظام والمعارضين، اذا حدثت معجزة، يصنع تسوية قابلة للتنفيذ. ولا أحد يعرف متى وكيف تنتهي الحرب على داعش وفتح الشام وعلى أطراف أخرى تحت عنوان مكافحة الارهاب. ولا التوقيت ملائم على ساعة الادارة الأميركية.