IMLebanon

مفاعيل الزيارة السلمانية إلى واشنطن: أين الدور الأميركي بعد الاتفاق النووي؟

بعيداً عن مماحكات الحراك المدني في لبنان، كان اهتمام أهل الحل والربط في الإقليم، مركزاً على وقائع الزيارة التاريخية للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى واشنطن، ونتائج محادثاته المعمّقة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض.

ليس من المبالغة القول إن مفاعيل هذه الزيارة، وما رافقها من حفاوة واهتمام غير عاديين، من جانب الرئيس الأميركي وإدارته، لا تقتصر على العلاقات السعودية – الأميركية وحسب، بل تشمل كل ملفات المنطقة، بأزماتها وحروبها، ومشاكلها الأمنية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن تطورات الوضع الفلسطيني، بعد توقف الحوار مع الإسرائيليين، وتعثر خريطة قيام الدولتين، وإصرار نتنياهو على المضي قدماً في مخططات الاستيطان، ومحاصرة الدولة الفلسطينية العتيدة بحزام خانق من المستوطنات.

ولم يعد سراً أن ملابسات المفاوضات الأميركية – الغربية مع إيران حول الملف النووي، وما انتهت إليه من اتفاق، بمعزل عن الدور الإيراني في إشعال أزمات المنطقة، قد أثارت العديد من الهواجس، ليس في الرياض فحسب، بل وفي كل العواصم العربية، التي أدركت باكراً، مخاطر بقاء الجموح الايراني على انفلاته الحالي، في حين اكتفت الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون، بتقليم أظافر إيران النووية، والتغاضي عن عبثها المتمادي في أمن واستقرار أكثر من دولة عربية.

لذلك كانت المحادثات العربية، وخاصة السعودية، مع الجانب الأميركي تتركز، في مرحلتي المفاوضات والاتفاق، على التعهدات التي تضمن تخلي طهران عن دورها المشاغب الحالي، والالتزام بالشرعية الدولية، وسياسة حسن الجوار، التي تقتضي، قبل كل شيء، عدم التدخل بالشؤون الداخلية للجيران العرب.

* * *

كلام الملك سلمان عن حرص السعودية على السلام والاستقرار، في المنطقة وفي العالم، ليس شعاراً، بقدر ما كان يرسم آفاقاً استراتيجية للعلاقات التاريخية بين الرياض وواشنطن، تتجاوز المصالح الثنائية، التي تعتبر من البديهيات، الى مستوى الشراكة في العمل معاً لاستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية من جهة، ولمعالجة البؤر التي تهدد السلام العالمي على المستوى الدولي.

من هنا، فإن الكلام عن حل سياسي في سوريا، وإعادة الشرعية إلى اليمن، وانتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، تعتبر ركائز أساسية في بناء الاستقرار في المنطقة، إلى جانب، طبعاً، دفع المفاوضات الفلسطينية – الإيرانية إلى مرحلتها النهائية.

قد لا تكون واشنطن تملك مفاتيح سحرية لمعالجة هذه الأزمات المستعصية بالسرعة اللازمة، ولكن عاصمة القرار الدولي تستطيع المساهمة، وإلى حدّ كبير، في طي صفحة الاضطرابات والحروب في الإقليم، وإيجاد الأجواء المناسبة من الهدوء والأمن والسلام، تساعد على إطلاق ورش التنمية والإعمار، وبناء الأوطان المدمرة من جديد، بشراً وحجراً، إذا كانت ثمة جدية فعلية في محاربة الإرهاب، والقضاء على المنظمات المتطرفة، وترجيح كفة الاعتدال والحوار والوفاق بين مكونات بلاد المنطقة العربية، الذين اعتادوا العيش معاً، على مدى قرون طويلة، مع احترام خصوصية كل واحد منهم للآخر.

المهمة الأميركية في الاتفاق النووي لا تقف عند حدود منع إيران من حيازة القنبلة النووية، وتوفير الضمانات الأمنية والمستقبلية للدولة الإسرائيلية، لأن الأطراف العربية ترى في السياسة الايرانية الحالية، وما تنطوي عليه من مخططات خبيثة لزرع الفتن المذهبية والإتنية في الجسد العربي، أخطر من السلاح النووي، الذي قد لا يتسنى للجانب الإيراني استعماله، مهما بلغت تهديداته، نظراً لمخاطره على أجواء الإقليم، بما فيها الأجواء الإيرانية، في حين أن مخططات العبث في الأمن العربي، وإشعال الحرائق الطائفية والسياسية ناشطة بهدف فرض الهيمنة الامبراطورية الإيرانية على مقدرات المنطقة العربية!

* * *

لم يعد لدى الإدارة الأوبامية متسعاً من الوقت، لتأكيد حرصها على العلاقات التاريخية مع السعودية خاصة، ومع العرب بشكل عام.

ولاية سيّد البيت الأبيض في خريفها الأخير. الكونغرس عائد إلى نشاطه، وفي مقدمة جدول أعماله الاتفاق النووي الإيراني، الذي ضمن أوباما حصوله على نسبة الأصوات التي تمكنه من استخدام صلاحياته الرئاسية الاستثنائية لإقراره.

كلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أعطى إشارة رضى عن الكلام الأميركي حول الاتفاق النووي، وما يترتب عليه من التزامات، خاصة من الجانب الإيراني، الذي تبقى الكرة في ملعبه، لإظهار حسن نواياه في المرحلة المقبلة، والانتقال من مرحلة المشاغبة إلى موقع التعاون والشراكة في استعادة الأمن والاستقرار في الإقليم.

ثمة أزمة ثقة عميقة تتحكم بالموقف العربي من الحوار مع إيران، بسبب فشل كل المحاولات السابقة لبناء جسور التعاون والتفاهم مع الجار الفارسي، الذي كان كلامه الدبلوماسي في مكان، وخططه على الأرض في مكان آخر كلياً!

فهل تساعد واشنطن طهران على تغيير أجندة سياستها المعادية للأمن والسلم في المنطقة، أم أن مصالح واشنطن تقتضي تغذية نيران الخلافات العربية – الإيرانية؟