كل الجهود انصبت في الايام القليلة الماضية على محاولة تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية المتصارعة على تقاسم جبنة قانون الانتخابات، والوصول قبل الخامس عشر من شهر أيار المقبل إلى قانون جديد، يوفّر على العهد والمحسوبين عليه أن يجرعوا سم التمديد سنة وربما أكثر للمجلس الحالي الذي شكك الرئيس عون ولا يزال يشكك بشرعيته بالرغم من أنه هو نفسه أوصله بالانتخاب إلى قصر بعبدا وأنهى أزمة سياسية ووطنية، كادت أن تطيح بكل مقومات الدولة الواحدة.
فالرئيس عون لم يترك فرصة واحدة إلا واستغلها أو استفاد منها وتابع المساعي لتفادي اجتراع سم التمديد بالوصول ولو في الحد الأدنى إلى الاتفاق على قانون جديد قبل انتهاء مهلة الشهر التي استخدم فيها حقه لتعليق التشريع في المجلس النيابي والدخول مجدداً في مهب الفراغ أو التمديد الذي عمَّق الخلاف بين قوى السلطة,ونسبت بكركي إليه أنه طمأن سيدها الكاردينال بشارة الراعي الى أن البلد سيشهد ولادة قانون جديد للانتخابات قبل الخامس عشر من شهر أيار المقبل، والموعد الذي تنتهي فيه مفاعيل المادة 59 من الدستور ويدعو الرئيس نبيه برّي كما وعد وتعهد الهيئة العامة للمجلس النيابي للاجتماع والتمديد لنفسه، من منطلق أن التمديد أفضل ألف مرة من الوقوع في فراغ السلطة، وتشريع الأبواب أمام كل الاحتمالات الصعبة.
الرئيس عون لا يبدو انه ما زال واثقاً من أن الأمور ما زالت ميسَّرة، والأرجحية تميل للاتفاق على قانون جديد هو النسخة الأصلية للطبعة الثالثة التي أعدها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وأصبح أكثر ميلاً إلی التشاؤم والقبول مرغماً بالتمديد غير التقني للمجلس الحالي لتفادي الوقوع في محظور الفراغ أو القبول بأن يجرع سم قانون الستين الذي كان هو أول من تمسك به في اجتماعات الدوحة، وكاد أن يطيح بذلك الاتفاق لو لم يأخذ الآخرون برأيه، وقد عبَّر الوزير باسيل بعد اجتماع نواب التيار أمس أفضل تعبير عن هذا التشاؤم، وإن كان حاول أن يمرِّر بين سطور مطالعته الطويلة بأن هناك أكثرية عبَّرت عن موافقتها المبدئية على النسخة التي تمزج بين الأرثوذكسي والنسبي وما بينهما التأهيلي، والذي يعكس هذه الحقيقة هو غياب مجلس الوزراء هذا الأسبوع عن عقد جلسة له لمتابعة البحث في وضع قانون جديد للانتخابات وتأجيل الجلسة إلى الأسبوع المقبل، في الوقت الذي يقع على الحكومة وحدها وضع القانون وإحالته إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لدرسه واتخاذ موقف منه حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
واقع الأمر أن الوزير باسيل أراد أن يُسمع صوته العالي النبرة إلى كل القوى السياسية المعنية بوضع قانون جديد للانتخابات، لكنه هذه المرة بقي ضمن الحدود التي لا تستفز أحداً من هذه القوى جرياً على عادته، وهذا دليل على أن الوزير باسيل شعر ولو متأخراً، انه فقد الكثير الكثير من أوراق الضغط التي كان يمكن ان يستخدمها في وجه خصومه السياسيين ليصل إلى مبتغاه في إنتاج قانون للانتخابات ليستجيب برغباته وطموحاته في الهيمنة الكاملة على الشارع المسيحي حتى ولو كان ذلك على حساب حليفه القوي القوات اللبنانية التي كما يبدو بدأت تكتشف ان باسيل يعمل فقط لأجل نفسه ملبوساً بفقد الأنا.