IMLebanon

نتنياهو يقلب الطاولة في وجه الجميع وواشنطن تعطيه الوقت

 

بدا من تطورات الأيام الثلاثة الماضية سياسياً وعسكرياً في غزة وجبهة جنوب لبنان، انّ «حفلة الجنون» الاسرائيلية لن تتوقف عند حدّ موافقة حركة «حماس» على الاقتراح المصري- القطري لوقف إطلاق لنار وتبادل الاسرى وإدخال المواد الغذائية الى القطاع. ودلّ اقتحام دبابات الاحتلال امس للقسم الشرقي من رفح، وإقفال المعبر الى مصر، وتصعيد استهداف المدنيين في جنوب لبنان، انّ الكيان الاسرائيلي يرفض ضمناً الاتفاق الذي جرى لغزة، وذهب باتجاه قلب الطاولة.

أعلن مكتب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو: أنّ المجلس الحربي قرّر بالإجماع مواصلة العملية في رفح، وانّ اقتراح «حماس» لوقف الحرب بعيد كل البعد عن المتطلبات الإسرائيلية، ولكن سنرسل وفداً للقاهرة لاستنفاد فرص التوصل للإتفاق. (وصل الوفد فعلاً امس). فيما قالت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية: انّه منذ اللحظة التي أعلنت فيها «حماس» موافقتها على شروط وقف إطلاق النار، تحول الضغط إلى الحكومة الإسرائيلية للموافقة هي الأخرى على الشروط، وقد أوضح أهالي المحتجزين الليلة الماضية، أنّهم سيكثّفون الاحتجاجات، ومن المرجح أن يحصلوا على دعم شعبي واسع، تأمل «حماس» في ترجمته إلى مزيد من التنازلات الإسرائيلية.

 

وقد اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح وسيطر بالكامل على الجانب الفلسطيني منه ورفع العلم ودارت اشتباكات عنيفة مع مقاتلي المقاومة، فيما دخلت آليات عسكرية إسرائيلية «محور فيلادلفيا» للمرّة الاولى منذ العام 2005، في تطور وصفته مصر بالخطير.

 

هذا التوجّه الاسرائيلي حصل فور اعلان «حماس» موافقتها على الصفقة، وشهد تصعيداً ايضاً في جبهة الجنوب بتكثيف الغارات الجوية والقصف المدفعي للقرى الحدودية وتمدّدها نحو منطقة البقاع- منطقة السفري قرب بعلبك وتلال اقليم التفاح وجبل الريحان، وبِرَدِّ المقاومة العنيف جداً على الاعتداءات. وبدا ايضاً انّ كل محاولات دول الغرب والامم المتحدة لم تفلح في لجم اندفاعة حكومة الاحتلال وقلب الطاولة في وجه جميع الاطراف، فلم تعد امامه خيارات قبل وقف الحرب عاجلاً او آجلاً سوى الدفاع الهجومي عن مستقبله السياسي، علّه يحقق «إنجازاً ما» يخفف محاسبته او خروجه نهائياً من الحياة السياسية والعامة نتيجة الملاحقات القانونية له في داخل الكيان الاسرائيلي او المحاكم الدولية، وتنامي المعارضة السياسية له، بما لم يعد يؤهله لتبوؤ أي منصب.

 

كما انّ اندفاعة الاحتلال عبر التصعيد في جنوب لبنان تعني عملياً استمرار توقف المساعي الاميركية والاوروبية – الفرنسية بشكل خاص، لتهدئة جبهة الجنوب وإنجاز اتفاق ما لتطبيق القرار 1701. فنتنياهو يعلم تماماً انّ شرط لبنان الرسمي و»حزب الله» لتحقيق اي اتفاق هو وقف العدوان على غزة وعلى المدنيين في جنوب لبنان ووقف الانتهاكات للقرار 1701، وعدا ذلك عبثاً يحاول الموفدون. فأفشل بهذه الاندفاعات، سواءً في غزة او لبنان، كل محاولات التهدئة.

 

ومع ذلك، ثمة اسئلة تُطرح عن جدّية الضغط الاميركي على نتنياهو لوقف التصعيد؟ وعن رغبة الإدارة الاميركية فعلياً في وقف الحرب، بينما رغبتها فعلياً هي بإنهاء وجود «حماس» وفصائل المقاومة الاخرى، لتخلو الساحة لمفاوضين فلسطينيين «اكثر ليونة وتنازلاً» لتحقيق صفقة سلام او تهدئة دائمة؟ كما تُطرح الاسئلة حول الموقف الاوروبي والأممي الذي لم يتجاوز حدود البيانات غير المجدية، بينما تتمّ مراعاة اسرائيل في معظم خطواتها بلا ضغوط فعلية رادعة؟ وللمفارقة، انّه بعد الهجوم امس على شرق رفح، أعلنت الخارجية الأميركية أنّ «واشنطن تتشاور مع الشركاء، من أجل التوصل لاتفاق بشأن غزة يفضي لسلام مستدام». ما يعني إعطاء اسرائيل مزيداً من الوقت لتنفيذ مخططها.

 

ويبقى السؤال الأهم: هل يتوقف نتنياهو عند حدود العملية البرية شرقي رفح، التي وصفت اليوم بأنّها «محدودة» ام يندفع اكثر؟، وماذا إذا حصل اجتياح لكامل منطقة رفح؟ وهل يمكن ان تتوقف الحرب إذا حقق نتنياهو «إنجازه» بتهجير نحو مليون مدني فلسطين من حدود غزة… والى اين؟ وما موقف مصر الفعلي والدول العربية التي تتولّى مساعي التهدئة مما يجري؟

 

في الخلاصة، سيبقى الكلام للميدان العسكري، فلا المقاومة الفلسطينية ستوقف التصدّي لقوات الاحتلال، ولا «حزب الله» سيوقف استنزاف العدو في جبهة الجنوب، ولا باقي الجبهات من اليمن الى العراق والى حدّ ما من سوريا، ستقف مكتوفة تراقب المذبحة الاسرائيلية الجديدة. وها هي تعلن توسيع عملياتها في عمق الكيان الاسرائيلي أياً كانت نتائجها، كبيرة او متواضعة، إذ يكفي انّها تُرهق اسرائيل وتضغط على كل مستوياتها السياسية والعسكرية وتزيد إخفاقاتها في الجبهات الاخرى، فتمنع توسّع المواجهات إلى حرب اقليمية واسعة.