يعقد، اليوم، في منزل رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل في سن الفيل «الاجتماع الرقم 2» (الأول عقد منذ أيام في منزل رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان) الذي يضم، إلى جانب الرئيسين السابقين، وزير العمل سجعان قزي، وزير السياحة ميشال فرعون، وزير الاتصالات بطرس حرب، وزير الرياضة عبد المطلب حناوي، وزير الدفاع سمير مقبل وزيرة المهجرين أليس شبطيني والوزير السابق خليل الهراوي. أما فحوى اللقاء فستتمحور، كما الجلسة الأولى، بحسب المصادر، حول «كيفية إبقاء الحكومة ناشطة من دون حلولها فعلياً مكان رئيس الجمهورية، والأهم التشديد على ضرورة إنهاء الفراغ في قصر بعبدا والدفع باتجاه انتخاب رئيس ينظم العمل الدستوري». وهو ما يتلاقى مع أولويات البطريرك بشارة الراعي التي تتلخص في مسألة واحدة: ملء شغور كرسي بعبدا، أياً كان الرئيس، وهو ما لم يكن أحد يعيره أي اهتمام.
في الآونة الأخيرة، تعطّل العمل الحكومي نتيجة الآلية المعتمدة بضرورة موافقة 24 وزيراً على القرارات الحكومية، كي تصبح سارية. وكان أن طرح رئيس الحكومة تمام سلام آلية «الثلثين أو الإجماع»، التي كان قد تحاشاها في بداية عهد الفراغ الرئاسي. هكذا، فجأة، وجد المتضررون من الآلية المطروحة تقاطعاً بين موقفهم وموقف الراعي، فراحوا ينبشون عظاته ليقحموها في بياناتهم.
وهو ما كان واضحاً في البيان الذي صدر عقب الاجتماع الأول، من حيث استعارة كلمات بكركي، كـ«رفض تطبيع الفراغ» و«الدفع بانتخاب رئيس كأولوية مطلقة»، تلاها التسويق لأنفسهم بأنهم يمثلون كتلة البطريرك ويناقشون تفاصيل التفاصيل معه ويجتمعون بمباركته.
اليوم يلتقي هؤلاء في بيت الجميّل في حضوره، أسوة باللقاء الذي عقد في منزل سليمان، على أن يعقد في المرة المقبلة في منزل واحد من الوزيرين ميشال فرعون وبطرس حرب. قرر الأخيران عرض عضلاتهما «الوسطية» وتفعيل صفة «المسيحيين المستقلين» الملصقة بهما، بعدما وجدا نفسيهما مهددين بالبطالة إذا ما طبّقت واحدة من الآليات الثلاث المطروحة: آلية سلام، آلية الرئيس نبيه بري (النصف زائداً واحد)، وآلية العماد ميشال عون (لجنة وزارية من القوى الرئيسية). فحالياً، يمكن لفرعون عرقلة عمل 23 وزيراً، ويمكن لحرب افتعال مشكلة تارة مع وزير الخارجية جبران باسيل وطوراً مع وزير التربية إلياس بو صعب لتطيير مرسوم أو بند، إضافة إلى أنه لا شيء أحبّ على قلب فرعون وحرب من هرولة القوى السياسية الرئيسية للتشاور معهما ضماناً لإقرار ملفاتها، وهو ما كانا يحلمان به منذ سعيهما إلى إنشاء «لقاء مسيحي مستقل» يتيح لأحدهما التربع إلى جانب أمين الجميّل وسمير جعجع في قوى 14 آذار.
في الشكل، يبدو سليمان المستفيد الأكبر من هذا التجمع الذي يعيد الأضواء إليه أولاً، ويضمن له نفوذه داخل الحكومة، كما يضمن التفات قوى 14 آذار إليه في الحدّ الأدنى، وعدم التعامل معه كرئيس سابق متقاعد لا يملك أي ورقة ضغط في يديه. وفي الشكل أيضاً، يمكن القول إن هذا اللقاء يعزز دور فرعون كوزير ملك، ويساهم في تمديد فرحة حرب بلقب «فخامة الرئيس»، ولو كان ذلك للإشارة فقط إلى الدور الكبير الذي يلعبه كل وزير اليوم في الحكومة. ولكن، فعلياً، تصبّ فوائد هذه الاجتماعات في صندوق الجميّل الذي تزعجه اليوم الحوارات الثنائية المنعقدة بمعزل عنه، و«الصفقات السياسية» التي تشمل القوات اللبنانية، من دون أن يكون لها حتى أي تمثيل وزاري كحزب الكتائب. لذلك سعى الجميل إلى تعزيز دوره مجدداً، من خلال التفاهم مع سليمان ونقله من حضن معراب إلى بكفيا. فالمعروف أن القوات احتضنت سليمان في آخر عهده كما عند خروجه من القصر، وهي تدافع عنه وتسوّق له باستمرار على موقعها الإلكتروني أو في مجلة «المسيرة»، في ما عدا حشدها للندوة التي شارك فيها في جزين ولقاء الجالية اللبنانية أخيراً في الشارقة. وهكذا يمكن للكتائب، عبر استمالة وزراء سليمان الثلاثة و«المستقلين»، تعزيز مكاسبها عبر تعطيل الحكومة ورفع السقف إلى حين نضوج «طبخة» التسوية، التي يفترض أن تشمل الجميّل، تماماً كما ساوم على مشروع القانون الأرثوذكسي، فيسير بالحلّ المطروح ويُفرط اللقاء، ومن جهة أخرى، يحافظ على علاقته الوثيقة بالراعي عبر التأكيد على مطالبه.
تتمحور أهداف هذا اللقاء اليوم، بحسب مصادر كتائبية، حول مسألتين رئيسيتين: «أولاهما إيصال وجهة نظر البطريرك الراعي القائلة بضرورة التشاور لملء الشغور الرئاسي، بدل التلهي بالآليات الحكومية وضمان عدم تأقلم الحكومة مع مسألة غياب الرئيس واستخدامها صلاحياته لإقرار بنود ومراسيم مهمة كمصير ثروة لبنان النفطية ومراسيم أخرى ذات طابع دولي. وثانيتهما الضغط على الحريري وسلام للإبقاء على الآلية الحالية التي استطاعت بتّ مئات البنود والمراسيم، وبالتالي لا مبرر للبحث عن غيرها»، فيما تقول مصادر وزارية مشاركة في اللقاء إن الاجتماعات ليست موجهة ضد الرئيس سعد الحريري قطعاً، «فكلنا ندور في فلكه، بل هي موجهة أولاً وأخيراً ضد عون الذي يسعى إلى احتكار القرار المسيحي داخل الحكومة. فقد أثبتنا له اليوم أن هناك كتلة وزارية مسيحية جديدة تتجاوز كتلته مؤلفة من 8 وزراء، أي ثلثي الوزراء المسيحيين في الحكومة تمنعه من التفرد بالتفاهمات وتريد مشاركته قالب الحلوى». ورغم تضارب الأهداف والرسائل بين المجتمعين، يبقى الأمر المشترك الأهم هو التقيّد بعظات الراعي، والحرص على تنقيحها لإذاعتها في بيانات غداة كل جلسة، ما يعني انه قد «تنقش» مع الراعي أخيراً في إنشاء كتلة وزارية مؤثرة نوعاً ما في المشهد السياسي.