تأخُّر اللقاح يُغيّر الديموغرافيا
وقفز عداد الموت جراء “كورونا” الى أكثر من ألفي إنسان على أرض لبنان. ألفا أب وأم وأخت وأخ وزوج وزوجة والحبل جرار. وها هي لعنة الفيروس تلاحق المسنين، وتتوالى التنبيهات الى القاتل المتسلل الذي أكثر من يلاحق ويتعقب ويحصد: هم أبناء وبنات الفئة العمرية المتقدمة. فالمسنون في عين العاصفة وهم في خطوط الموت الأمامية. فماذا عن نسب المسنين في لبنان؟ ماذا في الأرقام والحسابات والتوقعات؟ ماذا ينتظر كبارنا بعد وبعد؟ وماذا عن عدد اللقاحات التي يفترض أن تُعطى الآن الى كبارنا؟
لم نخَل يوماً أننا سنُمسك الورقة والقلم ونحسب في عمر أكثر الناس حناناً، في أعدادهم، وفي القدر الذي يحاول أن يرسمه الفيروس المتسلل القهّار اللئيم والموجع. فهل من إحصاءات عن عدد من يصنفون مسنين في لبنان؟ هل لدى الدولة اللبنانية أرقام دقيقة تستند إليها لتحديد عدد اللقاحات المطلوبة وبسرعة، لتجنيب هذه الشريحة دفع ثمن الفيروس من اللحم الحيّ والروح؟ الخبير في شؤون السكان والهجرة الدكتور علي فاعور يتحدث عن إحصاء رسمي صدر عن مديرية الإحصاء المركزي في العام 2018، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والاتحاد الاوروبي تبين فيه ان سكان لبنان هم 4 ملايين و842 ألف نسمة، وهذا الرقم لا يشمل طبعاً سكان المخيمات و”العشوائيات” السورية، لكن هذا الرقم، بحسب ما قال فاعور ليس دقيقاً، لأن تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة تشير الى وجود 6 ملايين و850 ألف انسان لبناني وغير لبناني على الأراضي اللبنانية (وهناك أشخاص بلا إقامات ما يرفع الرقم الى 7 ملايين) بينهم ثلاثة ملايين و864 ألف لبناني بالتحديد. ويستطرد بالقول: بالنسبة الى المسنّين، أي من بلغوا سن 65 وما فوق، فعددهم 508 آلاف نسمة يتوزعون على الشكل التالي: بين 65 و69 عاماً 157 ألفاً، وبين 70 و 74 عاماً 131 ألفاً، وبين 75 و79 عاماً 95 ألفاً، وبين 80 و84 عاماً 73 ألفاً، ومن 85 عاماً وما فوق 52 ألفاً. وهذه النسب تشير الى أن نسبة من هم فوق 65 عاماً يشكلون 14 في المئة من عدد اللبنانيين الذين يسكنون مساحة لبنان.
اللقاح الآن
أرقام علينا أن ننطلق منها لنكتشف عدد اللقاحات التي يفترض أن تمنح كأولوية الى فئة المسنين اللبنانيين. يعني إذا افترضنا أن كل لبناني مسن يحتاج الى لقاحين خلال أسبوعين فهذا يعني أننا نحتاج في الشهر الأول الى مليون و16 ألف لقاح الى هذه الشريحة العمرية.
إنطلاقا من هذه الأرقام تتضح، بحسب الدكتور علي فاعور، ظاهرة ملفتة جداً وهي ان لبنان بلد انقلب فيه الهرم العمري ليميل الى الشيخوخة، “ففي جبل لبنان والضواحي تبلغ نسبة كبار السن 18,6 في المئة. وهذا رقم جديد ومرتفع ويقارب نسبة الشيخوخة في اوروبا. ويعني، في مجال آخر، عند مقارنة هذه النسب مع نسب من هم دون سن السادسة عشرة، ويشكلون 16 في المئة من عدد السكان، ان لبنان يتجه نحو الشيخوخة العمرية. ففي جبل لبنان وحده 174 ألف شخص فوق سن الرابعة والستين و150 ألفاً دون سن الخامسة عشرة.
أرقام تفيد جداً في ملاحظة مدى تأثر لبنان بوباء كوفيد-19 إذا تفشى بعد وعجزت الدولة عن تفادي الأفظع.
في لبنان يموت سنوياً، في الأيام العادية ونتيجة الأمراض العادية: 37 ألفاً تقريباً ويولد 85 ألفاً. لكن الهجرة تلعب دورها في جعل عدد المسنين أكبر من عدد الفئة العمرية الفتية. فعدد المهاجرين في العام 2019 وحده بلغ 65 ألفاً. ماذا عن خسارة الارواح التي تكبدناها حتى الآن بسبب كورونا؟ يجيب الدكتور فاعور: تبلغ نسبة الوفيات بين من تجاوزوا سن الثمانين 32 في المئة، وبين من هم بين 70 و79 عاماً 29 في المئة، وبين من تتراوح اعمارهم بين 60 و69 عاماً 20 في المئة. أي ان اكثر من 80 في المئة من الوفيات حصلت في الفئة العمرية المتقدمة. وهناك 10 في المئة من الوفيات بين من تتراوح اعمارهم من 50 الى 59 عاماً، و6 في المئة بين من تتراوح اعمارهم من 40 الى 49 عاماً. اما من هم دون سن العشرين فحصد الفيروس منهم ما نسبته 1 في المئة. الفيروس إذاً يهاجم بلا لبس كبار السن. فهل سيُبدل كل المعادلات؟
82,1 عاماً العمر الوسطي
معلوم أن مؤشر العمر المتوقع للإنسان في لبنان هو 82,1 عاماً، في حين هو في اليابان 85 عاماً. وهذا يعني ان لبنان، من هذه الناحية، في مصاف الدول الأكثر تقدماً على مستوى العالم ولا يضاهيه في الدول العربية والمجاورة سوى دولة الإمارات العربية المتحدة. فهل من يفكرون في الإقتصاد والمال في بلادنا سيتكلون على فيروس يحصد الكبار من أجل أن يستريحوا من عبء هؤلاء؟ لا شيء مستحيلاً في بلاد ذهنية من يتحملون فيها المسؤولية واسعة جداً.
هنا نعود الى كلام سابق صدر عن نقيب المستشفيات سليمان هارون قال فيه: “إن العناية بالمسنّ مرهقة جسدياً ومكلفة مادياً”. في كل حال، ماذا عن الوضع المعيشي لكبار السن في لبنان؟ هناك كما قال علي فاعور 508 آلاف مسن في لبنان 51 في المئة منهم يتلقون مساعدات من اولادهم المغتربين الذين يتحملون، كانوا ولا يزالون، الفراغ الذي ينتج عن إهمال الدولة تجاههم”، ويشرح: “هناك نحو 15 ألف مسن في مصاف الأغنياء في لبنان، و180 ألفاً من القادرين على سداد الحاجيات الأساسية، وهناك 229 ألفاً غير قادرين على تأمين الملبس والمأكل والمسكن وحدهم، ويوجد 76 ألف مسن يعجزون عن تأمين حتى الغذاء. وهناك مليون و850 ألف لبناني ليس لديهم تغطية صحية، اي ما يتراوح بين 55 في المئة و60 في المئة من عدد اللبنانيين. وهؤلاء، وبينهم كثير من المسنين، غير قادرين على الطبابة والإستشفاء ولا حتى على حجر أنفسهم للنجاة من الوباء المتفشي”.
والسؤال الذي يطرحه الخبير في شؤون السكان والهجرة هو: ماذا عن مصير لبنان بعد عشر سنوات؟
كبارنا في خطر. اللبنانيون جميعاً في خطر. والديموغرافيا عرضة للتغيير. وهنا يتحدث فاعور عن المخيمات والعشوائيات السورية في لبنان، الذين يكاد يقترب عدد ناسها من عدد ناسنا، قائلاً: “هناك نازحو المخيمات، يملكون مناعة اكثر من اللبنانيين، لأن عدد الوفيات من “كورونا” بين من هم دون سن العشرين 1 في المئة، ونحو 80 في المئة من النازحين السوريين، هم من النساء والاطفال، دون سن السابعة عشرة. وهذه قوة لهم”. كلام علي فاعور يأخذنا الى التفكير بأن الأمور إذا استمرت بالتدهور قد تميل دفة العدد الى هؤلاء على حساب أهل البلد. الله يحمي طبعاً الجميع لكن حين نضع هذه القضية تحت المجهر يتضح لنا أن أموراً كثيرة قد تتبدل. أمر آخر يلفت إليه فاعور حول رؤيته الى لبنان بعد عشر سنوات، وهو متوسط عدد أفراد الأسرة في لبنان ومعدل خصوبة المرأة، الذي يفترض ألاّ يتدنى عن 2,1 وإلا نكون قد دخلنا متاهة التناقص العددي والخط الأحمر. وهذه النسب تتدنى بشكل كبير”.
هل أتت “كورونا” لتقلب كل التوقعات عن تغيير ديموغرافي يصيب لبنان محوّلاً إياه من مجتمع شاب الى مجتمع مسن؟ هل سيطل من يخبرنا بعد التوقعات بتخطي نسبة كبار السن في لبنان 14 في المئة مع حلول سنة 2035؟ وهل سيكون هذا الإنقلاب لمصلحة سلطة لبنانية تعمل على إخراج الإنسان من الضمان الإجتماعي الصحي حين يلامس الرابعة والستين؟
لبنان بحاجة الآن، الآن الى مليون و16 ألف لقاح لمن دخلوا في المقلب الثالث من العمر. والتراخي في تأمين كل ما يلزم الى هؤلاء بمثابة المشاركة في القضاء على شيبنا. كبارنا في صفوف المواجهة الأولى فليرحمهم من يملك في قلبه ذرة رحمة.