لا يستقيم القول بأن هناك من يؤيد وهناك من يناهض «العودة الى قانون الستين». هذا القانون الذي يعتمد القضاء دائرة انتخابية، والتصويت بالاحتساب الأكثري، هو القانون الانتخابي المرعي الاجراء ما لم يتم استحداث قانون جديد.
والسبب في بقائه مرعي الاجراء ليس شعبيته، ولا معقوليته. انما كون القوانين الانتخابية التي اقرت بعد الحرب، وكل مرة عشية الاستحقاق – ونحن عشية استحقاق مرة جديدة، مرّرت نفسها تحت ذريعة المرة الاستثنائية الواحدة والأخيرة، على طريقة التعديلات الدستورية المشابهة، وعكس «حكم الاستثناء للمرة الواحدة» والاكثار منه في الحالتين، طبيعة الأزمة العميقة التي لم تعد أزمة، بل صارت نظاماً سياسياً للبلد.
أما ما أقره اتفاق الطائف من بند متعلق بقانون الانتخاب فضرب به عرض الحائط منذ مطلع التسعينات، او هو استحضر فقط بشكل «شبحي» بالاستنساب بين المحافظة والقضاء.
هناك بطبيعة الحال «ضيق» تنفس يرمز اليه قانون الستين، ولمجرد انه قانون سابق علينا بنحو ستة عقود. ومع انه قانون ينتمي الى «الزمن الجميل» للبنان، كما هو شائع بين اللبنانيين، زمن ما قبل الحرب، الا انه تعرّض بحد ذاته للاتهام منذ اواخر الستينات، بدعوى انه يزيد الطين بلة في لبنان، ولا يرسي قاعدة واسعة ومنهجية للمشاركة والإنصاف.
لكن ضيق التنفس هذا، لم يلغ تفضيل قانون الستين على قوانين فترة الوصاية السورية، خصوصاً بين المسيحيين، حيث رفعت تياراتهم الاكثر شعبية مطلب العودة اليه مطولاً، واعتبرت انه وصلها حقها في اتفاق الدوحة، من هذا الجانب، ليصبح هذا القانون بعد ذلك مغضوباً عليه من المسيحيين، اكثر مما هو مغضوب عليه من المسلمين، وهو أساساً قانون غير شعبي بين المسلمين منذ نهاية الستينات.
كذلك تقتضى الاشارة الى ان ممانعة قانون الستين يدعمها ايضاً اهمية الحضور العاطفي والانتمائي لمفهوم القضاء بالنسبة لأكثرية اللبنانيين. «القضاء» انتماء له حيثية عاطفية وعملية أيضاً، اكثر بكثير من «المحافظة»، وان يكن اقل من «الطائفة»، واقل من «البلدة».
من هنا، ينبغي تحديد ما المقدور فعله اليوم.
هل المطلوب قانون استثنائي لمرة واحدة واخيرة جديد، عوضا عن قانون الستين، لكن بما يبقي «الستين» بمثابة القانون «العميق»، او الزوجة الأصلية؟ فيعود «الستين» ويفرض نفسه في الاستحقاقات المقبلة، ما لم يؤت بقانون فعلاً جديد؟ فالستين لم يعمل طيلة تسعة عشر عاماً بعد الحرب، لكنه بقي القانون «الاصلي». عمل به فقط في الانتخابات الاخيرة (٢٠٠٩)، وتشكل اجماع بعدها ان لا عودة اليه، وكان الانشطار حول ما هو البديل عنه. منذ ثماني سنوات لم يتم ايجاد هذا البديل، وبيننا وبين الاستحقاق خمسة اشهر الآن!
فاذا كان المطلوب هو قانون جديد بالفعل، وهنا، لا بأس بالمجازفة والقول، انه في السنوات الأخيرة، ثمة مشاريع قوانين كثيرة، لكن هناك اربعة خيارات فقط تمتلك فكرة من ورائها، اي تصور لماهية الانتخاب في لبنان، لا يقوم على الاستنساب والاعتباط.
فاما الانتخاب على اساس القضاء بالنظام الاكثري / وهذه فحوى قانون الستين.
واما الانتخاب على اساس المحافظة، وحينها ثمة مجال للتفكير بالنظام النسبي، ولو بقي اعتماده مع اعتماد التوزيع الطائفي، ومع التوزيع للمقاعد بحسب الاقضية (حتى لو كان الانتخاب على اساس المحافظة)، يجعل المسار اكثر تعقيداً.
واما الانتخاب على اساس كل طائفة هي دائرة بحد ذاتها (مشروع القانون الارثوذكسي)،
واما الذهاب الى الدائرة الفردية، او اقله نظام الصوت الواحد للناخب الواحد.
أما عدا ذلك من مشاريع فهو اما تحوير لهذه النماذج الاساسية، او محاولة مبهمة للمزاوجة، او مشاريع لا تبحث عن كونها بديلا منهجيا، وانما وصفة لاعتمادها مرة واحدة والسلام.
اكثر من ذلك: اذا ما اختزلنا النماذج الاربعة، لنموذجين اساسيين يستنطقان مراد كل فريق من صناديق الاقتراع، لوجدنا نموذجين اساسيين – ولو ان النقاش السياسي لا يطرح الامور بهذا الشكل الثنائي الواضح. ثمة من ناحية، «قانون الستين»، وثمة من ناحية ثانية «القانون الارثوذكسي». والى حد كبير، في الوضع الحالي، الخيار قائم بينهما، بشكل او بآخر – هذا ان لم يكن الخيار هو للرجوع لاستنسابية قوانين فترة الوصاية، او مشاريع الخلطات الكيميائية التي تغفل ان صحة التمثيل تكون ايضاً ببساطة قوانين الانتخاب، وليس تعقيدها!
يشكك التحليل الآنف اذاً بأن يكون في الوقت الحالي من خيار ثالث مطروح غير «الستين» و«الارثوذكسي»، بالأصالة أو منمّقين بعض الشيء، الا اذا كان هذا الخيار الثالث من نوع قوانين التسعينات: لاجراء استحقاق واحد فيها، والعودة الى البحث عن قانون بعد الانتخابات.